Site icon IMLebanon

«التناحر الطائفي» عند تقاطع التناحرات الكبرى حول خيرات المنطقة!

 

محنة القضاء في بلد Pêle-mêle

 

 

لن يقبل الفريق الشيعي، على المستوى الطائفي (كطائفة) ولا الحزبي (حركة «أمل» وحزب الله) وحتى الأهلي (بعضاً من لجنة أهالي ضحايا انفجار المرفأ) ولا حتى القضائي (لا حاجة للتوضيح) بأقل من إبعاد القاضي طارق البيطار المحقق العدلي في انفجار المرفأ، عن ملف التحقيقات الجارية، وهو المعين بمرسوم، بعد موافقة مجلس الوزراء الذي أحال القضية إلى المجلس العدلي.

 

ويستفيد من موقف هذا الفريق، النائب الحالي، ووزير الداخلية السابق، السنّي، العضو السابق في كتلة «المستقبل» نهاد المشنوق، وبالطبع، قبله رئيس الوزراء السابق حسان دياب، بالإضافة إلى وزير الاشغال السابق، الماروني، الزغرتاوي يوسف فنيانوس، من تيّار «المردة»، والحليف الموضوعي، الدائم لحزب الله، لدرجة أن البعض يذهب إلى أن الحزب هو من يُشجّع على تسميته وزيراً في حكومة سعد الحريري، قبل الاستقالة بعد تظاهرات 17 ت1 (2019).

 

لن يقبل أحد مكونات «الفريق الماروني» الذي يحسب من الأقوياء، حزب «القوات اللبنانية» ورئيسه سمير جعجع (الذي خبر السجن في وزارة الدفاع أيام السوريين، أو ما كان يعرف بالجهاز الأمني المشترك اللبناني- السوري) أن يذهب إلى اليرزة، أو بمقر وزارة الدفاع، لتستمع إليه فرقة تحقيق من المخابرات اللبنانية أو فرع المعلومات، في حوادث 14 ت1 (2021)، التي أدت إلى سقوط عدد من الضحايا (أو الشهداء المظلومين وفقاً لأدبيات الثنائي الشيعي) برصاص من غير الثابت مصدره، وإن كانت واضحة أهدافه، قيل ان مسلحي حزب «القوات» أو بعضهم هو من أطلق النار على مدنيين مسالمين، شيعة، كانوا في طريقهم إلى قصر العدل، للإحتجاج على ما يصفه «الثنائي» باستنسابية تحقيقات البيطار، وتسييسه للملف.

 

اشترط جعجع، علناً وصراحة، ان يحضر إلى التحقيق، أو ان يستمع المحقق- أو الضابطة العدلية إلى الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، طوي ملف الاستماع إلى جعجع، ولم يعرف ما إذا كان سيبقى مطوياً أم يتحرك من زاوية اخرى، كأن يطلب قاضي التحقيق العسكري الأوّل فادي صوان الاستماع إليه!

 

وهكذا، نهض البطريرك الماروني الحالي الكاردينال مار بطرس بشارة الراعي، وحزم امره، وأتى إلى عين التينة، بحثاً عن صفقة – مخرج ومقايضة بألَّا يلاحق القضاء العدلي النواب والوزراء والرؤساء، وأن يصرف النظر عن الاستماع إلى جعجع، إذ «هل يصح الاستماع إلى رؤساء الأحزاب إذا ما اقدم محازبوهم على الاعتداء على احد» (والتساؤل للبطريرك الراعي).

 

عند عشائر العرب (ولنقل جوازاً ان فيهم تمثيل للفريق السنّي) توقيفات، المحكمة العسكرية بأحداث خلدة التي أدت إلى مقتل المقرب من حزب الله علي شبلي، في عملية ثأرية رداً على مقتل حسن أو أحمد غصن، وهو شاب يافع من عشائر العرب في خلدة، هذه التوقيفات ظالمة، لأنها لم توقف أحداً من الشيعة المناصرين لحزب الله.

 

وبصرف النظر عن البعد الحقوقي أو القانوني، سرعان ما انظم النائب السابق، والزعيم الدرزي وليد جنبلاط إلى العشائر، الذي يتمسك وئام وهّاب باستمرار المصالحة في الجبل معه، سرعان ما أيّد ما جاء في المؤتمر الصحفي للعشائر، لجهة ان تكون القرارات ظنية متوازنة..

 

هكذا يتساوى اللبنانيون امام القضاء والقدر، دعوة إلى التوازن، ولا بأس ان تكون الدعوة على قاعدة 6 و6 مكرر.

 

ومع هذه المساواة، المناوئة للعدالة، ينسف اللبنانيون، على الطريقة القبلية، وهم الحريصون في البيانات الوزارية، وعلى المنابر بالتمسك بالسلطة القضائية، وبالدعوة للإحتكام إلى القضاء.

 

وإذا مارس القضاء، دوره، وجاءت الأحكام خارج التوقعات، أو تلامس الأدوار المشبوهة لهذا أو ذاك من الذين كانوا في الوظيفة العامة، أياً كانت، قامت الدنيا ولم تقعد.. لِمَ هذا وليس ذاك..

 

تبدأ الأسئلة ولا تنتهي، ويصبح أي شخص، صاحب شأن، أو اختصاص قادر على محاكمة القاضي أو القضاة، من دون ان يمتلك الصفة أو المعرفة أو المصلحة..

 

في بلد (Pêle-mêle) أو الفوضى، يصبح الإعتداء على القاضي من المسائل المباحة، مع العلم ان المبادئ العامة، المنظمة لأصول المحاكمات، تنطلق (المادة 1 من أوّل المحاكمات المدنية) من أن القضاء سلطة مستقلة تجاه السلطات الأخرى في تحقيق الدعاوى والحكم فيها، لا يحدّ من استقلالها أي قيد لا ينهى عليه الدستور.. في بلد الـ Pêle-mêle ماذا عساكم فاعلون أيها اللبنانيون: تطالبون بالقضاء وترفضون إجراءاته أو قراراته. وكأن القضاء خُلق فقط للاستقواء على الضعفاء! والنيل من حقوقهم..

 

عندما علق «الثنائي» المشاركة في اجتماعات مجلس الوزراء كانت بتأثير من الحملة ضد المحقق العدلي، وكان الطلب ان يُبادر المجلس إلى إقالة القاضي، وتعيين محقق عدلي آخر، باعتبار ان الدعوى أحيلت إلى المجلس العدلي بمرسوم اتخذ في عهد حكومة الرئيس دياب.

 

رفض الرئيس ميشال عون ان يتدخل مجلس الوزراء في عمل المحقق، وحجته مسألة ان القضاء سلطة، وبالتالي لا سلطة، على سلطة مستقلة من زاوية الفقرة هي التي تنص على «النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها» (مقدمة الدستور). تعطلت جلسات الحكومة.. قبل ان تعاجلها تصريحات وزارية (قرداحي- أبو حبيب) بطعنة أخرى (وبمثقف صدق الكعوب مقوَّم) تشبه طعنات عنترة..

 

لجأ حزب الله إلى الضغط عبر مجلس الوزراء، ثم عبر الشارع، وكان ما كان في الطيونة – عين الرمانة – الشياح.. والأحداث جراح.

 

ليس من السهل الإطاحة بالقاضي طارق البيطار، الذي يتولى التحقيق في انفجار المرفأ، وهو حسب المادة 360 من قانون أصول المحاكمات الجزائية (الفقرة رقم 2)، «يعينه وزير العدل بناء على موافقة مجلس القضاء الاعلى». فحتى يقال أو يستبدل المحقق لا بدَّ من:

 

1 – سحب وزير العدل قرار تعيينه أو التراجع عنه، وهذا غير متوفر بالنسبة لوزير العدل الحالي، المحسوب على فريق رئيس الجمهورية.

 

2 – لا بدَّ من موافقة مجلس القضاء الأعلى، والمجلس على ما يبدو داعم لعمل المحقق بيطار، وليس بوارد اتخاذ أي موقف سابق لموقف وزير العدل.

 

3 – ان يُبادر القاضي إلى التنحي، كما فعل القاضي صوان، وهذا غير متوافر لدى القاضي بيطار العازم على إصدار القرار الاتهامي في جريمة انفجار المرفأ.

 

حسب المادة 362: للمحقق العدلي أن يصدر جميع المذكرات التي يقتضيها التحقيق دون طلب من النيابة العامة. إن قراراته في هذا الخصوص لا تقبل أي طرف من طرق المراجعة.

 

أمَّا بالنسبة لاستجواب المدعى عليهم.. فحسب الفقرة 2 من المادة نفسها: «يضع يده على الدعوى بصورة موضوعية. إن أظهر التحقيق وجود مسهم في الجريمة فيستجوبه بصفة مدعى عليه، ولو لم يرد اسمه في عداد من ادعت عليهم النيابة العامة».

 

لا حاجة بعد، لاستكمال النقاش، فالمسأل واضحة في بلد الـ «Pêle-mêle» القضاء في محنة. والدولة ككل في محنة، والمسألة الأبعد، هي سقوط الرابط الذي يجمع لبنان الدولة، في ظل «التناحر الطائفي» المفتوح على تناحر من نوع أخطر في عموم الشرق الأدنى، والأوسط، بعدما قرّر الأميركيون إعادة ترتيب الوقائع من المحيط الهادي والشرق الاقصى، إلى الدول الصغيرة والكبيرة في هذه المنطقة الوفيرة الخيرات من العالم!