يستحق وزير الداخلية، الذي عاب عليه “وزير القصر” عدم وضع كلامه في الميزان إثر اتهامه الاكثرية الساحقة من القضاة بالفساد، أسباباً تخفيفية تُمنح له على قِصر فترة تلوثه بالسياسة وبداهة تعبيره، وعلى صراحته ولو أتت جارحة وجنحت الى تعميم يظلم قضاة كثيرين ويزيد في يأس اللبنانيين، كونه يضرب صورة معقل للعدالة لا مفر من الرهان على كونه “ملح” أي مجتمع.
ويصعب مجاراة نقابتي المحامين المحترمتين في بيانهما الناري الذي أتى بمثابة “إعلان حرب” على الوزير فهمي، قبل التأكد من مجريات التحقيق في واقعة “اشتباك” محام متدرج مع قوى الأمن على خلفية استثناءات الحجر الصحي. والأحرى شُكر الوزير على عرضه لقطات تُظهر لَكمة المحامي في وجه الشرطي شرط ان يكون التسجيل غير مجتزأ ولا تلاعب فيه. فالوزير نبَّه اللبنانيين الى أن احترام القانون يجب أن يسري على الجميع والى ان السلطة، التي تنتهك عموماً الحريات، قد يُعتدى عليها من أشخاص يعتبرون أنفسهم فوق القانون ويستسهلون التطاول على رجل أمن قام باعتراضهم، انفاذاً للتعليمات وضمن الأصول.
ويُفترض ان تكون تلك الحادثة، مهما كانت نتائج التحقيق، درساً للجميع سياسيين ونقابيين ومواطنين وناشطين ومغردين على وسائل التواصل الاجتماعي، في واجب التحقق قبل التعليق أو التصريح أو المبادرة الى التضامن والتنديد. فلا يمكن، على سبيل المثال، وصمَ مدينة بشري بعنصرية مفترضة قبل استنكار جريمة القتل الفعلية والتأكد من إحراقٍ للبيوت ثبتَ أنه وهمي، مثلما لا يجوز أن يمتلئ الفضاء الافتراضي بشتائم لدركيين قد يُظهر التحقيق تعرضهم لتنمر وتهجم المحامي، واعتقاده بأن حصانته تتيح له إهانة “مستضعَفين”.
قد تعطي “غزوة” النقيب ملحم خلف ثكنة قوى الأمن الداخلي لإخراج المحامي الموقوف شعبية له لدى زملائه، فيَظهر جريئاً مقداماً متضامناً معهم في السراء والضراء، لكن هذا النوع من الحماسة لا يخدم العمل النقابي، ويحوّل النقابة عصابة واجبُ زعيمها بذل الغالي والرخيص لانقاذ احد أعضائها، أو قبيلةً تطبق مبدأ “أنصر أخاك ظالماً ام مظلوماً”، وهو ما لا يجوز في نقابة تميَّز معظم نقبائها، وبينهم النقيب الحالي، بمناصرة الحق والحريات ودولة القانون انطلاقاً من البيِّنة والحجة والبراهين.
يعاني المجتمع اللبناني نقصاً في العمل النقابي الحقيقي والمنظم، ويفاجأ معظم الأحيان بتحول النقابات ذات الحصانة الى حصن للمرتكبين والمخالفين. فلا تسمع بأن نقابة المهندسين انتصرت لمواطن شكا مهندساً سمساراً او خائناً للأمانة، ولا بأن نقابة الأطباء جرَّمت زميلاً ارتكب خطأ طبياً او انتهك خصوصيات المرضى. وهكذا يتحول بعض النقباء الى زعماء يتبعهم موالون، او مشاريع وزراء، أو خطباء منابر تأخذهم الحميَّة والبلاغة الى “ما يطلبه المستمعون”، وهو عيبٌ في أساس الأداء لا تخفف وقعَه ريفيةٌ محببة أو نوايا طيبة.