تجاوزات قرار ملء شواغر قضاة الشرع الجعفريين
لأن لا شيء يحدث في البلاد بلا “قبة باط” من طرف، وبلا مصلحة لطرف آخر، أو وجود أبعاد وغايات في قواميس النافذين، تتجه الأنظار الى إصرار البعض على انتخاب قضاة شرع في لبنان، في وقتٍ تعيش فيه البلاد تدابير استثنائية خلال فترة جائحة “كوفيد-19″، واعلان حالة الطوارئ العامة وصدور قانون تعليق المهل الى ما بعد الحادي والثلاثين من سنة 2020 السوداء. فلماذا هذا الإصرار اليوم على إنجاز ملء المقاعد الشاغرة لقضاة الشرع الجعفريين؟
لم يكن ليسأل أحد عن ذلك لو كنا في زمن كل شيء فيه يسير “على القانون”، ولو كان مجلس القضاء الشرعي الأعلى حريصاً على ملء كل مقعد يشغر فيه في أوانه، ولو كان هناك، في الأصل، رئيس للمحكمة الجعفرية. فالمركز خال وشاغر بعد تقاعد رئيس المحاكم الشرعية الجعفرية الشيخ حسن عواد قبل خمسة أعوام لبلوغه السن القانونية، وآخر انتخابات جرت لقضاة الشرع قبل 17 عاماً وتحديداً في 2003. فما عدا وبدا اليوم في أقسى ظروف يمر فيها لبنان؟
ثمة طعن هو الأول من نوعه تقدم به الشيخ محمد علي الحاج العاملي أمام مجلس شورى الدولة طالباً الإبطال مع وقف التنفيذ، حمل الرقم 5/2020 للقرار الصادر عن مجلس القضاء الشرعي الأعلى “فتح دورة لمباراة ملء ثمانية مقاعد (أصبحت عشرة بعد استقالة قاضيين) شاغرة لقضاة الشرع الجعفريين.
الطعن حصل لكن لم يؤخذ فيه حيث قُدمت الطلبات وحددت مواعيد المقابلة الشخصية والامتحانات الخطية وكأن شيئاً لم يكن ولم يُقدم.
تقديم الطعن هو شجاعة من علّامة شيعي، كونها أول مرة تتصدى محكمة شيعية أو سنية أو درزية الى قرار من هذا النوع يتضمن، بحسب الشيخ العاملي، مخالفات قانونية جمة، لا تنحصر في إجراء مباريات التعيين في وقت تقرر فيه تعليق المهل فقط، بل في ظل شغور موقع رئاسة المحاكم الشرعية الجعفرية، ومن دون تكليف الشيخ محمد كنعان بالوكالة، وهو الذي استلم الموقع كونه أقدم مستشار يتولى رئاسة المحكمة. فقرار ملء الشواغر اتخذ ويجري في ظلّ عدم وجود رئيس للمحاكم الشرعية الجعفرية. ومعلوم ان “المستشار الأقدم” في المحكمة الشرعية الجعفرية العليا له الحق في أن يترأس جلسات محكمة الإستئناف حصراً، للنظر في الدعاوى في ظل غياب رئيس المحكمة العليا وفقاً للمادة 12 من قانون تنظيم القضاء الشرعي السني الجعفري، وهذه المادة القانونية الوحيدة التي تعطي صلاحية للمستشار الأقدم لكن ليس له الحق ان يكون عضواً في مجلس القضاء الشرعي الأعلى كون المجلس “هيئة قضائية”. لذا جاء في الطعن وجوب وقف تنفيذ القرار الصادر عن مجلس القضاء الشرعي الأعلى، الذي أعلن عن فتح دورة ملء المقاعد الشاغرة الى حين تتشكل الهيئة القضائية اصولاً، بعد ان يتم تعيين رئيس للمحكمة الشرعية الجعفرية العليا.
41 اسماً تقدم أصحابها لملء الشواغر (حصلت نداء الوطن عليها) ولا يتمتع كثير منهم، بحسب قضاة كثيرين اطلعوا عليها، بشروط الكفاءة، كما أن بعضها محسوب مباشرة على “حركة أمل” مثل حسن فرحات، وهو عضو مكتب سياسي في الحركة، وولد المسؤول الثقافي المركزي في “حركة امل” المفتي حسن عبدالله ويدعى علي حسن عبدالله. في المقابل، فضّل “حزب الله” عدم ترشيح أسماء مباشرة، بل القيام بذلك “من تحت الطاولة” لسببين: أولهما، أن لا مصلحة له بالدخول في القضاء مباشرة كي لا يتسبب له ذلك بإحراج مع مئات رجال الدين الذين ينضوون في “الحزب”.
وثانيهما، أنه ممنوع قانونياً على من يتولى منصب القضاء أن يكون حزبياً. “حزب الله” انتبه الى هذه النقطة أما “أمل” فغضت النظر.
هل يقبل مجلس شورى الدولة الطعن بقرار مجلس القضاء الشرعي الأول؟ هل يُبطل رئيس هيئة القضايا في وزارة العمل القرار؟ هل تُطبق رئاسة مجلس الوزراء، بصفتها سلطة الوصاية على مجلس القضاء الشرعي الأعلى، التدبير بوقف المهل الى ما بعد انتهاء 2020، في هذا الموضوع؟ فلنراقب.