Site icon IMLebanon

بلد على «رفّ» المنطقة

 

 

تكتشف خلال «كم يوم» أمضيتها «في سريرك متوعّكاً» تراقب الأخبار اليوميّة عن بعد أنّنا بلد لا يمتلك سياسة داخليّة ولا ساسة يحكمون لبنان وأنّ كلّ تحرّك في حياته السياسيّة يأتي من الخارج، وأننا حالياً في وضعيّة «بلد على الرّف»، وأن لا طرف في هذا البلد يتعامل مع الطرف الآخر بنيّة صافيّة وانطلاقاً من مصلحة لبنان أوّلاً، إلا من رحم ربي، المصالح الشخصيّة تعالت على مصلحة الوطن للأسف وأنّ المكايدات السياسيّة تفعل فعلها في جميع الميادين، وأنّ العيب في الدّاخل اللبناني وارتماء أطرافه في أحضان دول خارجيّة، مصالحها مقدّمة على مصلحة لبنان!

 

أزمة المحقّق العدلي فادي صوان وادّعاءاته خلال الأيام الماضية كافية لفضح هشاشة الحقيقيّة اللبنانيّة وكون هذا الوطن مجرّد قشرة، في الحقيقة لا تُلام الطوائف الخطوط الحمراء هي الحدود التي تحمي الطوائف، وأنّ الذين رفعوا الصوت مدّعين الدّفاع عن القضاء وأن خلاص لبنان في «استقلال القضاء» يعلمون علم اليقين أنّه لا يوجد استقلاليّة للقضاء وأنّ نزاهته مسألة شخصيّة تتفاوت بين قاضٍ وآخر، ولا يحتاج اللبنانيّون إلى أمثلة فمثال القاضية غادة عون منذ ثورة 17 تشرين وجملتها الشهيرة عن القضايا النائمة في جارورها ولاحقاً اعتراضها في كتاب إلى رئيس الجمهورية رفضاً لقرار مجلس القضاء الأعلى بحقّها ووضع رئيس الجمهوريّة ملفّ تعيينات القضاء من أعلى جهة قضائية في درج مكتبه أكبر مثال على وضع القضاء في لبنان ويفسّر القرار الانتقائي لادّعاء القاضي فادي صوّان، تقتضي النزاهة في قضيّة بحجم تفجير مرفأ بيروت وتدمير نصف المدينة أنّ تخرج ادّعاءات المحقّق العدلي دفعة واحدة لو كانت العدالة صافية، الانتقائية «عدالة مغشوشة»، يتساءل أي مواطن عادي كيف استطاع ضمير المحقق العدلي أن يسمح بتجاوز تصريح رئيس الجمهورية ـ وهو رئيس المجلس الأعلى للدفاع وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة وأنّه أقسم على الحفاظ على سلامة أراضي الوطن ـ بأنّه بلغه تقرير وجود مواد خطرة على السلامة العامّة في مرفأ بيروت وأنّه لم يفعل شيئاً لأنّه ـ حسبما قال لشعبه ـ لا يملك سلطة على المرفأ»، ثم كيف سمح ضمير المحقّق العدلي أن لا يساءل المجلس الأعلى للدّفاع وهو المسؤول عن القرارات الكبرى لماذا لم يسارع لاتّخاذ أي إجراء يحمي المدينة وأرواح سكّانها؟ إسمحوا لنا القضاء ليس مقدّساً وللمناسبة أيضاً الجيش ليس مقدّساً مشاهد ثورة 17 تشرين ما زالت حاضرة في الأذهان للجيش يعتدي على شباب الثورة العزّل ويعاملهم بمنتهى العنف والقسوة وكيف يغيب عن المشهد ويترك الساحة للقمصان السود يمعنون ضرباً في الشباب والصبايا العزّل في ساحات الثورة، لا مقدّس في لبنان إلا لبنان وشعبه.

 

حتى الشعب اللبناني المنقسم دائماً والطائفي دائماً أثبت خلال هذا العهد أنّه شعبٌ كثيرون منه لا يمانعون السير في خراب البلد من أجل زعيمهم وحزبهم وطائفتهم، الحديث عن الخطوط الحمراء البادي به أظلم ولا يحقّ له اتهام طائفة أخرى بالطائفيّة، يوم خرج البطريرك بشارة الراعي من قصر بعبدا ليقول للبنانيين أن رئيس الجمهوريّة ميشال عون خطّ أحمر لا يحقّ له أن يشجّع على المسّ بالعرف اللبناني منذ استقلال لبنان عام 1943 بتوزّيع الرئاسات الثلاث على تمثيل طوائف ثلاث، فلا يحقّ لأحد الاعتداء على رمز طائفة أخرى كائناً من كان الشخص، وعليه لم يخطأ مفتي الجمهورية الدكتور الشيخ عبد اللطيف دريان عندما أعلن مقام رئيس الحكومة اللبنانية، كان المشهد كأننا عشيّة حربٍ أهليّة في لبنان، عدنا إلى نغمة المسلم والمسيحي، من يريد أن يرفع حكمته ونيته الصافية عليه أن يسمّي جميع المتهمين ويجرّهم كلّهم أمام القضاء نحن مع محاكمة الجميع ولكن بالسويّة والمعيّة أيضاً.

 

أمرٌ أخير نحتاج أن نصارح به القارىء، أثبتت السنوات الخمسة عشر الماضية أنّنا شعب غير مؤهّل حتى الآن ليحكم نفسه بنفسه هو محتاج دائماً لمحتل أو مستعمر يسيّر الحياة السياسيّة فيه، وأنّنا شعب نتشدق بالحريّة والديمقراطيّة ورغبتنا في العيش في دولة مدنيّة ونحن شعب زيت الطائفيّة يرشح منه من رأسه حتى قدميه، على المحقّق العدلي فادي صوان أن يكشف أسماء كلّ المتهمين دفعة واحدة وإلا فليتنحِّ كما فعلت نزاهة مدعي عام التمييز الذي تنحّى منعاً للحرج، النّزاهة شديدة الوضوح، وليست ادّعاء بالتقسيط!

 

يتلهّى اللبنانيّون هذه الأيام بأخبار القاضي فادي صوان وأسماء المتهمين ومن يقبل المثول أمام القاضي ومن لا يقبل، نلعب في الوقت الأميركي الضائع ولا تصدّقوا أنّ موعده 20 كانون الثاني، لن يدخل جو بايدن البيت الأبيض راكضاً ليمسك الملفّ اللبناني، سنبقى على الرفّ وقد يفنى البلد حتى توضّح الموقف بين أميركا وحلفائها في الخليج العربي وإيران وأذرعها الإرهابيّة في لبنان والمنطقة، وهذا يعني أن الأمور تحتاج سنة وأكثر ربّما!