يطرح قرار وزير العدل إحالة نادي القضاة إلى التفتيش القضائي، أكثر من سؤال ونقاش قضائي وقانوني حول هذه الخطوة، فيما يترقّب الجسم القضائي المسار الذي سيسلكه هذا الملف في الأيام المقبلة. ووفق القاضي السابق والمستشار القانوني فادي عنيسي، فإن “هناك احتمالا بأن لا يكون قرار التفتيش القضائي شاملاً إلى هذا الحدّ”، بحيث ميّز بين حالتين:
– الأولى إذا كان وزير العدل، وبحسب السلطة الممنوحة له في القانون، ارتأى إحالة أحد أعضاء نادي القضاة للمساءلة أمام التفتيش، لأن هذا الأمر من الممكن أن يدخل ضمن صلاحياته، ولا أريد النقاش فيه، لأن الضمانات كلها موجودة، إن لناحية التفتيش أو إذا حصل بعد ذلك إحالة إلى المجلس التأديبي.
– الثاني الذي من الممكن وجوده، إحالة كل من ينتسب إلى نادي القضاة، وهنا نتكلم عن أكثر من مئة قاضٍ.
ويستغرب عنيسي في حديثٍ لـ”الديار” هذا القرار لسببين أساسيين: “الأول هو أن نادي القضاة هو جمعية مرخصة من وزير الداخلية منذ سنوات، وبالتالي لديه جسم قانوني، أي أنهم لا يدّعون أمراً ما ضمن إطار غير قانوني، والثاني لا يمكن تحويل مجموعة من القضاة بهذا الحجم، بحيث هناك قضاة ينتسبون إلى النادي، ولكنهم لا يشاركون في إصدار البيانات وفي التحركات التي يقوم بها النادي، وبالتالي لا أدري لماذا يتحوّل هؤلاء إلى التفتيش القضائي، على افتراض أن هذا الأمر حاصل”.
ويكشف عن أنه في الفترة الأخيرة، قد علم بوجود “لَومٍ لبعض الهيئة الأدارية، وخاصة رئيس النادي، على خلفية إجراء أحاديث إعلامية من دون أخذ موافقة وزير العدل، أو إصدار بيانات تأخذ في بعض الأحيان طابعاً سياسياً، لنفترض أن هذا الأمر مطروح، تتم المساءلة أو الملاحقة أو طلب الملاحقة بوجه رئيس النادي أو الهيئة الإدارية، فلماذا يجب أن يشمل كل من ينتسب إلى الجمعية العمومية لنادي القضاة”؟
وعن دور مجلس القضاء في هذا الوضع، قال إن “مجلس القضاء له الدور الأساسي، لأنه المؤسسة التي تحمل القضاء على أكتافها، ولا شيء يمنع أن يكون هناك تكامل بين مجلس القضاء، الذي هو المؤسسة الأم والرسمية، وليس هناك أي التباس حول دورها، وبين نادي القضاة حتى آخر المطاف لأنهما هدفهما هو تحسين القضاء من كل النواحي”.
وعن توصيفه لوضع القضاء، يلاحظ أن “وضع القضاء كوضع البلد، لأنه في النهاية لا يمكن فصل الوضعين عن بعضهما البعض، وهو انعكاس للوضع العام في البلد، والذي إذا قلنا أنه غير سليم، نكون نخفِّف التعبير، لأنه أكثر من سيىء، لا أتحدث هكذا لأنني استقلت من سلك القضاء، ولكن الوضع الحالي هو أحد الأسباب التي حملتني على الإستقالة، لأنني منذ قرّرت الإستقالة كانت الأوضاع سيئة، وتزداد سوءاً اليوم، لذلك لا يمكنني القول إلا أن وضع القضاء في البلد سيىء، وسيىء جداً”.
وعن تعيين الـ 55 قاضياً الذين تخرجوا من معهد القضاء، يعتبر أن “هذه ليست تشكيلات ولا تعيينات التي تحتاج إلى تواقيع رئيسي الجمهورية والحكومة ووزيري العدل والمال أولاً، وثانياً لا أعتقد أن مجلس القضاء الذي يبادر إلى اقتراح التشكيلات سيسير في هذا الموضوع، وما نحن أمامه نسميه إنتدابات، أي أن وزير العدل هو من يقرِّر انتداب قضاة إلى مراكز بعد موافقة مجلس القضاء، لذا في حال لم يكن هناك موافقة من مجلس القضاء ليس بإمكان الوزير أن ينتدب، وصودف أننا دخلنا في فترة فراغ رئاسي منذ عام، بحيث تخرّج 55 قاضياً، جميعهم من الملحقين في وزارة العدل، وبسبب النقص الحاصل في المحاكم، سينتدبهم الوزير لملء الفراغات الحاصلة في بعض المحاكم من أجل تحريك عجلة العمل فيها”.
وبعد 31 عاماً قضاها في سلك القضاء، يعتبر أنه “علينا النظر إلى الأمر بشكل شامل، فإذا سمعنا بأن وزير العدل حوّل مجموعة قضاة إلى التفتيش القضائي، أو نقرأ في مكان آخر حصل تدخل في محكمة معينة من جهة سياسية أو دينية أو أي كان، أو أية أوجه توحي بعدم استقلالية السلطة القضائية، فإن الدستور اللبناني تحدث عن استقلالية القضاء، فالإشكالية الكبرى، هي عدم تكريس هذه الإستقلالية، فيجب وضع قانون يكرّس هذه الإستقلالية المادية والمعنوية، وهنا أقصد أنه منذ أن يتقدم القاضي إلى معهد القضاء لحين تخرجه في هذه الفترة، بإمكاننا اعتبار المسار فيه الكثير من الإستقلالية، لأن أي مداخلات ووساطات ليست موجودة نهائياً، والأهم أنه حتى العنصر الطائفي غير موجود، فمن يحصل على علامة 12 على 20 ينجح.
أما المشكلة، يضيف عنيسي، فتحصل عند الإنتهاء من معهد القضاء، وبدء العمل في التعيينات والتشكيلات القضائية لا سيما في المراكز الجزائية لأنه صحيح أن مجلس القضاء يقترح التشكيلات، لكن هذه التشكيلات لا تصبح نافذة إلى بعد توقيعها من وزيري المال والعدل ورئيسي الحكومة والجمهورية، أي أننا نتحدث عن السلطة التنفيذية، وبالتالي، هذه السلطة هي من يقرّر إذا أصبحت هذه التشكيلات نهائية لتسييرها، وما يجب أن يحصل أن التعيينات والتشكيلات يجب أن تبدأ وتنتهي في قصر العدل من دون السلطة التنفيذية أو السياسية”.
وعن مخاوفه على السلطة القضائية، يتحدث عنيسي وبصراحة عن “مخاوف على مصير لبنان بأجمعه كبلد وكوطن وككيان، ندرك جميعاً المشاكل البنيوية الحاصلة في البلد وبالتالي من الطبيعي أنني خائف على السطة القضائية، ولدي إحساس أننا ذاهبون إلى الأسوأ لأن ما هو ظاهر لا يبشّر بالخير”.