من دون سابق إنذار، بدأ التداول برسوم مالية جديدة في النيابات العامة والمحاكم، وجد فيها البعض إجراءات ملتوية واستغلالاً لحاجات المتقاضين بتخليص معاملاتهم. فيما وجدها آخرون الوسيلة الأسرع لتمويل صندوق تعاضد القضاة الذي طاوله العجز والإفلاس كسائر إدارات الدولة.
عملياً، سجل عدد من المحامين في الآونة الأخيرة اقتطاع نسبة 10 في المئة من المبالغ المضبوطة لدى توقيف أصحابها، في سابقة غير معهودة في التدابير القضائية. وفي هذا السياق، أمرت النيابة العامة المالية بتوقيف صراف غير شرعي وضبط المبالغ التي وجدت بحوزته. وبنتيجة المحاكمة، أصدر أحد القضاة المنفردين الجزائيين في الدعوى الجزائية حكماً قضى بإدانة الصراف ومصادرة مبلغ من المال كان يستخدمه الأخير في عمليات الصرافة. فيما رخص له باستعادة مبلغ آخر كان ينقله على سبيل الأمانة. واستحصل المحكوم على مذكرة صادرة من القاضي المنفرد موجهة إلى النيابة العامة تتضمن الترخيص له بقبض المبلغ المضبوط. لكن وفق وكيل الصراف، فقد أبلغ في قلم النيابة بأن الأخيرة «تستوفي 10 في المئة من قيمة المضبوطات لمصلحة صندوق تعاضد القضاة». واللافت بأن القلم رفض تحرير إيصال بالمبلغ المستوفى أو تنظيم محضر به. ولفت المحامي إلى أن «المضبوطات هي ملك خالص للموقوف يستعيدها عيناً عند انتهاء التحقيق أو المحاكمة ما لم تكن حيازتها ممنوعة قانوناً».
على صعيد متصل، ومن أجل تمويل صندوق تعاضد القضاة، سُحبت بشكل مفاجئ الطوابع العائدة للصندوق نفسه التي تلصق على بعض الدعاوى والمعاملات القضائية. وتم إصدار طابع جديد موحد من فئة المئة ألف ليرة. في حين أن القانون يلزم لصق طابع قضائي من فئة الألف ليرة على الدعاوى. كما فرض أخيراً على معاملات الشكاوى الجزائية، رسم لمصلحة صندوق التعاضد قدره خمسون ألف ليرة. في حين كانت التدابير سابقاً تفرض تسديد ما نسبته 20 في المئة من قيمة الرسم المالي عند تسجيل أي دعوى. وعندما يكون الرسم المالي مقطوعاً (غير نسبي) وقدره أمام المحاكم الابتدائية 25 ألف ليرة، تكون حصة صندوق التعاضد خمسة آلاف. وتلك الحصة، تستوفى في أقلام المحاكم من خلال لصق طوابع بقيمتها.
لكن التدبير المستحدث فرض لصق طابع من فئة المئة ألف حصراً، لتسديد رسم بقيمة ألف ليرة أو خمسة آلاف. ولكي يتجنب بعض أصحاب المصلحة دفع المئة ألف، بدلاً من خمسة آلاف تذهب لمصلحة صندوق التعاضد، فإنهم يطلبون من قلم المحكمة قطع أمر قبض بقيمة خمسة آلاف ليرة. أما النيابات العامة وبعض محاكم الجنايات، فتستوفي رسماً بقيمة مئة ألف ليرة بدلاً من الرسم المحدد بخمسين ألفاً. في حين أن بعض المحامين يؤكدون استيفاء مئتي ألف ليرة.
لكن ما سبب تعديل «تسعيرات» الطوابع التي اتخذها النائب العام المالي علي إبراهيم بصفته رئيساً لصندوق تعاضد القضاة؟ مصدر قضائي قال إن «الطوابع من الفئات الصغيرة نفدت ولا تتوافر ميزانية لطبع طوابع جديدة، ما يقتضي تسيير شؤون المتقاضين بما يتوافر».