هي المرة الثانية التي يتحدّث فيها وزير العدل هنري خوري بأنّه أنهى الاعتكاف القضائي بالتعاون مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. كلام خوري فيه شيء من الصحّة، إلا أنّه لا يُمكن نسب «إنجاز» فك الاعتكاف إلى الرجلين اللذين ساعدا على صرف سلفة خزينة بقيمة 20 مليار ليرة إلى صندوق التعاضد كبدل مساعداتٍ استشفائيّة ومدرسيّة، من دون أن يُقدّما أي شيء آخر. فالسلفة لم تبدّل الواقع بدليل إحالتها إلى الصندوق وتوزيعها على القضاة من دون فك الإضراب.
فعلياً، لم يعد القضاة يتحمّلون مزيداً من الاعتكاف، ولا اتهامهم بتوقيف مصالح المواطنين وتعطيل قصور العدل، وخصوصاً أنّهم تيقّنوا أن السلطة السياسيّة لن تقدّم حلّاً بعدما أهملت مطالبهم لأكثر من 5 أشهر. وبالتالي، وجدوا في إقرار مجلس النواب لراتبين يُضافان إلى الراتب الأصلي (يتراوح بين مليونَي ليرة و8 ملايين بحسب الدرجات)، إضافة إلى المُساعدات الاستشفائيّة والتعليميّة، المخرج اللائق لفك الإضراب بعدما رفعوا سقوفهم التي لم تجد آذاناً صاغية لدى السلطة وباتوا غير قادرين على التراجع عنها ولا العودة إلى ممارسة أعمالهم.
يقول القضاة إنّ هذه الرواتب لا تكفي لتأمين احتياجاتهم، وخصوصاً أنّ قصور العدل متروكة بلا صيانة (لا تدفئة ولا كهرباء ولا مياه ولا مستلزمات نظافة) ولا قرطاسية يدفعون تكاليفها من جيوبهم، ومع ذلك سيعاودون نشاطهم في «العدليات» ابتداء من الأسبوع المقبل.
هذه المعطيات يحري تدارسها بين القضاة على المجموعة الخاصة بهم على «واتساب»، على أن يتم الإعلان عن فك الاعتكاف في بيان يصدر بعد أيّام، بعدما طالب مجلس القضاء الأعلى القضاة بالعمل بالحد الأدنى وتسيير الأمور الإنسانيّة.
رغم ذلك، فإنّ هذا الأمر لم يبتّ بين القضاة بعد. إذ إنّ البعض يرفض فك الإضراب باعتبار أن الرواتب لا تكفي مثلاً القضاة الجُدد الذين لن تتعدّى رواتبهم الـ 10 ملايين ليرة مع زيادة راتبين إضافيين ولا أولئك الذين يُناوبون في مناطق بعيدة، فضلاً عن التحسينات التي يطالبون بها لتحسين ظروف العمل في قصور العدل.
يرى بعض القضاة في زيادة الراتبَين مخرجاً لائقاً للتراجع
في المقابل، فإن المتحمّسين لفكرة العودة يشيرون إلى أنّ «الاعتكاف لن يؤدي إلى تحقيق مطالب أكبر من الراتبين الإضافيين، فيما هناك جهات باتت تستفيد من هذا الإضراب وتعمل على ضرب المؤسسة القضائية وتقليص صلاحيات القضاة، كما فعل المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان أخيراً»، فيما «مصالح الناس معطلة مع ازدياد نسبة الجرائم وتكدّس الملفات، وصرخة المحامين الذين تحوّلوا إلى عاطلين عن العمل». لذلك، يُفضّل هؤلاء فكرة فك الإضراب في أسرع وقتٍ ممكن مع عودة بعض القضاة خلال الفترة الأخيرة إلى ممارسة أعمالهم في العدليات، فيما المعلومات تؤكّد أنه سيُعلن عن فك جزئي للإضراب في المرحلة الأولى، أي تسيير أمور الموقوفين والقضايا المُستعجلة التي لا يمكن تأجيلها، من دون تحديد أفق لفكّه كلياً في المرحلة الحالية.