IMLebanon

الحكم في مواجهة الفرصة الأخيرة

 

تشكلت الحكومة بعد مخاض عسير دام تسعة أشهر، وتراجعت فوراً السجالات السياسية التي رافقت جهود البحث عن تشكيلة تشبع نهم جميع الكتل والقوى السياسية المتعطشة للسلطة والنفوذ والحصول على قطعة من «الجبنة»، التي أدمن السياسيون على اكلها وفق توصيف الرئيس فؤاد شهاب لهم بـ «آكلة الجبنة».

يمكن أن نلاحظ بأنه خلال أيام قليلة من صدور مراسيم تشكيل الحكومة تراجعت أجواء الشحن السياسي والطائفي، كما تراجع مستوى التهويل والخطاب التشاؤمي القائل بانهيار النقد الوطني والافلاس الاقتصادي، وهذا ما أشرت اليه حركة الأسواق المالية في الخارج والداخل. ويُذكّر هذا التبدّل ما بين حالة التشاؤم والتفاؤل بالقول المأثور «وتفاءلوا بالخير تجدوه».

في الواقع، يعيش اللبنانيون حالة ضاغطة منذ عام 2009 في ظل أجواء مشحونة سياسياً واقتصادياً والتي دفعت تدريجياً للوصول الى حالة من الركود الاقتصادي، تأكدت من خلال تراجع مؤشر النمو من 9 في المائة الى أقل من 1 في المية. لكن وبالرغم من كل هذه الضغوط التي تعرضت لها مختلف القطاعات الإنتاجية والتجارية، فقد حافظت الليرة على سعر صرفها مقابل الدولار، وذلك بفصل السياسات النقدية الحكيمة التي اعتمدها مصرف لبنان خلال عقد كامل من الضغوط التي تعرضت لها مالية الدولة، وارتفاع مستوى الدين العام، الذي زاد عن 90 مليار دولار، وفي ظل سياسة الهدر واستشراء الفساد في جميع الوزارات والإدارات العامة.

توقّع معظم اللبنانيين أن تتبدل الأجواء الضاغطة المخيمة على البلد مع انتخاب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية قبل سنتين وأربعة أشهر، لكن انقضى ثلث عمر العهد ولم يأت بأي من الإصلاحات التي طالما طالب بها.

لا بدّ أن يدرك الرئيس بأن صبر الناس بانتظار تشكيل الحكومة لفترة تسعة أشهر قد نفذ. أما الآن وبعد خروج الدخان الأبيض فلم يعد هناك من حجة أو عذر لانطلاق مسيرة الحكم للوفاء بوعوده بالتغيير والشروع باستعادة بناء وتفعيل مؤسسات الدولة، وباطلاق معركة واسعة لمحاربة الفساد، الذي عمّ جسم الدولة والمجتمع بشكل كلي وشامل.

ان أمام الرئيسين عون والحريري الآن فرصة أخيرة للعمل سوياً بجد وحزم لاطلاق مسيرة الحكم مستفيدين من تجاوب المجتمع الدولي مع المطالب لدعم وإنقاذ الاقتصاد اللبناني من خلال تأمين ما يزيد عن 11 مليار دولار كمساعدات وقروض ميسرة لتحسين البنى التحتية الأساسية، ودعم القطاعات الإنتاجية الرئيسية. ولا بدّ أن يدرك الرئيسان بأن الثقة بلبنان وبحكمه باتت فعلياً على المحك، داخلياً ودولياً، وبأن زمن النزق السياسي قد ولّى، وبأنه لم يعد من الجائز أو الممكن إضاعة المزيد من الوقت والفرص. لقد حان الوقت ليضع الرئيس عون الوعود التي قطعها على نفسه منذ عام 2005 حتى اليوم موضع التنفيذ. في المقابل انها الفرصة السانحة للرئيس الحريري لكي يستفيد من هذه الرئاسة في ظل الظروف المؤاتية داخلياً ودولياً لإثبات نفسه كرجل دولة، جدير بخلافة الرئيس رفيق الحريري، حيث لم تسمح له الظروف القسرية التي وواجهها في الحكومتين السابقتين بتحقيق النجاح المطلوب.

بالرغم من كل التحفظات التي رافقت عملية تشكيل الحكومة، وما رافقها من تجاذب ونزق سياسي من قبل مختلف الكتل النيابية، وبالرغم من التشكيك بقدرة وقيمة عدد من الوزراء الجدد، فإن الجميع يعلقون النجاح أو الفشل على قدرة عون والحريري على وضع رؤية متكاملة للحكم، وقيادتها بحكمة وحزم، وعلى قاعدة المثل القائل «الفرقة سر رئيسها» وأن عليهما أن يدركا بأنهما بتضامنها في قيادة دفة الحكم سيقطعان راس الفساد.

هي الفرصة الأخيرة ليكتب كل منهما صفحته الخاصة في تاريخ البلد، وبأنه ستترتب على تقصيرهما أو فشلهما في اغتنام هذه الفرصة الذهبية مخاطر سقوط لبنان مالياً واقتصادياً وأمنياً، خصوصاً في ظل زمن المتغيرات الكبرى التي تشهدها المنطقة، ولا عذر لهما بالسماح لأي من القوى السياسية أو الوزراء بحرف مسيرة الحكم عن العمل لتحقيق الأولويات الوطنية.