نهاية هذا الأسبوع ينتهي مجلس القضاء الأعلى الذي يرأسه القاضي سهيل عبود من وضع لمساته الأخيرة على الصيغة النهائية للتشكيلات والمناقلات القضائية الشاملة، قبل عرضها على وزيرة العدل ماري كلود نجم والتي يفترض أن ترفعها لاحقاً إلى مجلس الوزراء للبت بها. طوال الفترة الماضية آثرت وزيرة العدل عدم التدخل بموضوع التعيينات ملتزمة حدود القانون في ما يتعلق بوجوب اعطاء رأيها بالتشكيلات بعد أسبوعين من تسلمها. أقفلت خطها امام مراجعات السياسيين والحديث بينها وبين مجلس القضاء الأعلى يحكمه القانون.
وفي ظل مناخات الثورة وعدم وجود سابقة لغاية اليوم بملاحقة أشخاص سابقين في الدولة بملفات الفساد المتراكمة في أدراج القضاة، ينتظر الكل أن تأتي التشكيلات إرضاء لمبادئ ما بعد 17 تشرين، بما يحتم على مجلس القضاء الأعلى الاتفاق، كي تخرج التشكيلات إلى العلن، خصوصاً أنها المرة الأولى التي تجري فيها هذه التشكيلات بعيداً من التدخلات السياسية بشكل مباشر وفق ما يؤكد المعنيون. أخّر خروج التشكيلات إلى العلن الخلاف في وجهات النظر الذي ساد بين القاضي عبود والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات حول الأسس التي يجب أن تسري على أسماء القضاة المؤهلين للترقية، وإن كان الطرفان متفقين على المبدأ الأساسي في اختيار الأسماء والذي يرجح كفة المعيار الموضوعي والعلمي بعيداً من الولاءات السياسية.
ويرتبط الخلاف بمراعاة الأقدمية في التعيينات وهي مسألة غير ملحوظة في القانون، وإن كان يمكن مراعاتها في المحاكم المدنية وليس في المحاكم الجزائية، فإن مدعي عام التمييز، الذي يرأس النيابات العامة في المحافظات والتي يرأسها المدعي العام الاستئنافي، يرغب بأن يبقى متحرراً من قيد الأقدميات غير المنصوص عنه في نظام القضاة العدليين، كون سير العمل مرتبطاً بالإعتبار الشخصي القائم بين الرئيس والمرؤوس، وهو ما لا يرغب فيه رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود.
وعلى سبيل المثال يرغب عويدات بتعيين القاضي رجا الحاموش خلفاً لمدعي عام بيروت الحالي زيادة أبو حيدر المشهود له بنزاهته في الوسط القضائي، لأنه سبق وتعاون معه في قضاء جبل لبنان.
ومثال آخر، فإن القاضي عويدات يرغب بتعيين القاضي كلود غانم خلفاً لمفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بيتر جرمانوس، والذي حسمت مسألة انتقاله من مركزه بغض النظر عن مسألة قبول استقالته من عدمها، علماً ان هناك عدداً من القضاة الموارنة ممن سبقوا غانم في الدرجة. ومن المرجح تعيين القاضي إيلي حلو مدعياً عاماً في جبل لبنان خلفاً للقاضية غادة عون.
وفي ما يتعلق بمنصب النائب العام الإستئنافي في الجنوب والذي يشغله حالياً القاضي رهيف رمضان، فقد زارعويدات رئيس مجلس النواب نبيه بري وتباحث معه في الموضوع بعد أن تم ربط تغيير القاضية غادة عون بتغيير بقية المدعين العامين، ليكون جواب بري: إذا كانت ثمة قاعدة تسري على الجميع فلا مشكلة بتغيير القاضي رمضان. وسيُشكل الأخير الى منصب آخر والمرجح ان تخلفه القاضية رانيا يحفوفي التي تشغل حالياً منصب قاضي تحقيق في جبل لبنان، أو القاضي زاهر حمادة ولو أن الحظوظ بأن يصار إلى تعيينه قاضي تحقيق أول في البقاع.
وسيتم نقل القاضية غادة أبو علوان من النبطية إلى موقع رئيس الهيئة الاتهامية في جبل لبنان خلفاً للقاضي منذر ذبيان الذي صدر قرار بفصله عن المجلس التأديبي.
وستشمل التعيينات أيضاً:
ــ تعيين القاضي عفيف الحكيم قاضي تحقيق عسكري أول، وهو رئيس غرفة محكمة التمييز يتم نقله إلى المحكمة العسكرية لتحل محله القاضية غادة أبو كروم.
ــ القاضي إيلي الحلو عيّن نائباً عاماً استئنافياً في جبل لبنان، خلفاً للقاضية غادة عون، التي ستنقل كمستشارة في محكمة التمييز المدنية.
ــ القاضي ربيع الحسامي في مركز قاضي التحقيق الأول في بيروت، خلفاً للقاضي غسان عويدات بعد تعيين الأخير نائباً عاماً لدى محكمة التمييز.
ــ القاضي فادي صوّان رئيساً أول لمحكمة الاستئناف في بيروت، خلفاً للقاضي سهيل عبود الذي بات رئيساً لمجلس القضاء الأعلى.
التشكيلات المنتظرة ستحرّك غالبية مناصب المدعين العامين باستثناء القاضي منيف بركات في البقاع والقاضي نبيل وهبي في الشمال، لاعتبارات تتعلق بفترة تعيينهم التي حصلت منذ فترة غير بعيدة، ولا إشكالية في استمرارهم في مراكزهم.
ويؤكد المصدر القضائي على المبادئ التي وضعت في التشكيلات الحاصلة ومن بينها الأقدمية والنزاهة والانتاجية وسرعة البت بالملفات وعدم وجود ملاحقات في التفتيش القضائي لبعض القضاة.
وخلافاً لكل ما يتردد، يشير المصدر نفسه إلى أن “الأجواء ممتازة والاختيار يسير طبقاً للمعايير التي حددها رئيس مجلس القضاء الأعلى بالتعاون مع أعضاء المجلس”، قائلاً: “إن التشكيلات المتوقع الانتهاء منها في غضون أسبوع ستكون شاملة وعامة وستتضمن عنصر مفاجأة من ناحية أسماء القضاة ممن سيتم تشكيلهم في مناصبهم بناء على الانتاجية ونظافة الكف وغيرها من المبادئ العامة التي وضعناها”. وإذ يتجنب الحديث عن جدول زمني لرفع الترقيات إلى وزيرة العدل، يتوقع أن يصار إلى الانتهاء منها نهاية الأسبوع على أن تتضمن قرابة 300 اسم تعكس حركة مناقلات شاملة، من بينها رؤساء التمييز والاقسام والقضاة المنفردون، يتبعها بعد ستة أشهر تشكيلات قضائية لقضاة تخرجوا حديثاً، أما من تم توزيعهم على مراكز فهم موضع المراقبة لفترة ستة اشهر واصفاً الخطوة بأنها “سابقة في العدلية، حيث سنلاحظ أن أسماء بارزة تغيرت وقضاة لم يكن يخطر في بال أن تشملهم التعيينات سابقاً ستشملهم اليوم”.
ونفى المصدر وجود أي خلاف بين القاضي عبود والقاضي عويدات متحدثاً عن “تبادل للآراء ووجهات النظر لمعالجة الأمور، والأسماء وضعت بالتشاور بين القاضي عبود وكل مجلس القضاء”.
وعن كيفية معالجة نقطة الخلاف الجوهرية المتعلقة بالأقدمية، أوضح المصدر القضائي الرفيع: “اعتمدنا عنصر الأقدمية حيث يجب ولم نعتمدها كقاعدة ثابتة لأن المعيار الأساس هو نظافة الكف والانتاجية”.