اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب في انتظار حل لن يولد لعقدة استئناف الجلسات غير المشروطة لمجلس الوزراء، رغم كل الامنيات والدعوات، و”الوعود عالكمون” للمسؤولين من رؤساء ووزراء بتخفيف المأساة المعيشية للبنانيين وسط استمرار الارتفاع الجنوني في الاسعار مقابل “قرارات رسمية همايونية” وخطط نهوض دونكيشوتية، تبقى عاصفة الجسم القضائي حدث وحديث الساعة، مع استمرار الطبقة الحاكمة في امعانها بضرب المؤسسة التي وجد فيها العالم بابا للتغيير بعدما فقدوا الامل من الامن ومؤسساته.
فمن يتابع سلسلة المحطات بدءا من شبه الإنتفاضة التي تشهدها أروقة قصور العدل منذ أشهر، على خلفيات الوضع الاقتصادي والوضع المزري لقصور العدل وظروف العمل الاسوأ ، وصولا إلى اعتكاف القضاء وتوقف المساعدين القضائيين عن العمل عن أداء واجباتهم في كل قصور العدل، يتأكد أن هذه الحلقة مفتوحة على مزيد من التدهور وأن القضاء في لبنان ليس بخير والعدالة باتت في خبر كان المحسوبيات السياسية.
فقضاة لبنان، بحسب مصدر حقوقي، سمعوا نداء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في رسالة الإستقلال، ولبّوا النداء شاكرين منتفضين مستعيدين المبادرة، “شاربين حليب أسود”، مستبقين نتائج التسويات والمساومات، “مشوشطين” كل الطبخات التي كانت تعدّ شمالاً ويميناً، متكّلين على الله وعلى اللبنانيين. فخلافاً لما درجت عليه العادة من استباحة السياسيين للقضاء، تجرّأ الأخير، هذه المرة، مكتسحاً الخطوط الحمر، قالباً الآية، “رادّا الأجر”، لتصبح المواجهة عالمكشوف.
وبمعزلٍ عن الحيثيات السياسية التي يُصرّ البعضُ على إسقاطها بالقوة لإدخال هذا التحرك في زواريب ومتاهات السياسة، معتمداً نظرية “ضربني وبكى سبقني واشتكى”، مع تحويل القصة إلى مظلومية من هنا ، وتعد من هناك، بدا بوضوح أن أوركسترا المنظومة المصدومة، لم تستطع لا بالطول ولا بالعرض، إرهاب الجسم القضائي، فانقلب السحر على الساحر، لتسير رياح رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود بما لا تشتهيه سفن الخصوم، وكذلك نادي القضاة.
فكما كرة ثلج الهجوم، كذلك الخطوات التصعيدية التي قرر القضاة السير بها، بشكل تدريجي، بحسب مصادر حقوقية، من طلبات إجازة من دون راتب بحجة العمل في الخارج، وصولا الى شل المحاكم بالكامل، في ظل الضغوط الممارسة من سلطة، نجحت في ادخال “القضايا ذات الطابع الوطني” في متاهات طلبات الرد ودعاوى الارتياب المشروع، وطلبات نقل ودعاوى مداعاة الدولة، بهدف تعطيل مجرى العدالة في اطار حق يراد به باطل.
فالانتفاضة القضائية المشرّفة أعادت خلط الأوراق “وخربطت” المسارات ، حيث تشير مصادر مطلعة إلى أن القضاة قرؤوا جيداً البيانات الدولية وفككوا ألغازها، لذلك، فإن حيلة تلبيسهم مسؤولية التعطيل لن تخفى بعد اليوم على الخارج، الذي هو المطالب الأول باستقلالية القضاء وضرورة احترام قراراته كبابٍ إلزامي للإصلاح وكشرطٍ أساسي لتقديم أي مساعدات، بعدما اكتشف الغرب أن الشفافية والحوكمة وضرب الفساد، تبدأ بقطاعين ضروريين وكافيين هما الأمن والقضاء، الذي قرر أن يلعبّهم ” شكر بكر”، بعدما أغرقوه بفتاويهم وتكاليفهم.
المصادر المواكبة لتلك الحركة الاعتراضية التي اتخذت اطارا اكثر تنظيما مع اندلاع ثورة 17 تشرين ، في محاكاة للشعب المنتفض، اكدت اصرار القضاة على الذهاب نحو مزيد من التصعيد وصولا الى الاستقالة الجماعية، في حال عدم كف السلطة و”جماعتها” يدهم عن التدخل في ما لا يعنيهم، خصوصا محاولات ايجاد شرخ داخل الجسم القضائي ذاته، من خلال تمرد البعض على قرارات مجلس القضاء الاعلى ، فاستقلالية القضاء مكرسة سندا لمبدأ فصل السلطات الوارد في مقدمة الدستور والمادة 20 منه وفي مواثيق الأمم المتحدة، إلا أن ذلك لن يتحقق من دون ضمانات قانونية ومن دون ترسيخ ثقافة تتقبل استقلال القضاء وإرساء الممارسات المنسجمة معها.
بالإجماع اتُخذت القرارات “الإنقلابية” على جميع الجبهات دفعةً واحدة في هجومٍ صاعق ومفاجئ، ضد من أراد تدجين القضاء وترويعه من داخل العدلية وخارجها، حشر الجميع في الزاوية صوب قواعد اللعبة، بعد موجة محاولات إرساء سوابق غريبة عجيبة، ومسلسل المماطلات والمماحكات، ففرض على المزعجين، من اليوم وطالع، اجراء الف حساب وحساب قبل المبادرة للتدخل.
قد تكون التدخّلات السياسية شكلت النقطة التي “طفح الكيل معها”، حيث باتت القوانين حبرا على ورق، في بلد تكبر لائحة شرفه القضائية يوما بعد يوم… من حسين عبدالله إلى سهيل عبود، وما بينهما، قضاة قرروا أن ينتصروا للحقّ والحقيقة، بعيداً عن المحسوبيات والتبعيات، حيث أثبت قضاء الدولة أنه لن يخضع، ونقطة عالسطر.