IMLebanon

من سيخلف غسان عويدات؟

 

 

يغادر مدّعي عام التمييز غسان عويدات في 21 شباط 2024 القصر العدلي ويُحال على التقاعد، تاركاً المركز الحسّاس الأول في التراتبية القضائية في مهبّ الخلافات، وسط فراغ مريب، ليس في السلك القضائي فحسب، بل في الجمهورية اللبنانية بكاملها، التي يبدو أنّها ستولي تباعاً وكالتها الحصرية إلى حكّام بدلاء وليس حكاماً أصيلين، في وقت تستجد نقاشات جدلية في أروقة العدلية حول مصير هذا المركز الحساس بعد شغوره، وسط تخبّط بين سيناريوهات عديدة قد تفرضها الوقائع السياسية وبين الأصول القضائية التي تفرضها أحكام النصوص.

تقول مصادر قضائية رفيعة لـ«الجمهورية»، إنّ الشغور في منصب النائب العام التمييزي الأول يتبعه عادةً تعيين فوري لمدّعي عام بديل، إنما وسط الفراغ الحاصل، من المستحيل تعيين نائب عام تمييزي أصيل للمركز الشاغر الذي يتطلّب قراراً من مجلس الوزراء.

 

وأمام هذه المعضلة القضائية تبقى الامور مفتوحة على سيناريوهات عدة.

 

فمن سيُكمل مهمّة عويدات، او بالأحرى من سيخلف المدّعي العام التمييزي الذي تولّى منذ 4 سنوات و6 اشهر ولا يزال، المنصب الأدق في المحكمة التمييزية، لاسيما في هذه المرحلة الدقيقة التي يمرّ فيها السلك القضائي؟

 

تقول مصادر قضائية رفيعة لـ«الجمهورية»، إنّ الأعراف قضت سابقاً وفي بعض الحالات التي وقع خلالها المنصب بحالة الفراغ لبضعة أشهر، أن يتمّ تكليف أحد قضاة النيابة العامة التمييزية ليكمل المهام لحين تعيين النائب العام التمييزي الأصيل. ولكن، تبرز اليوم نظريات أو اجتهادات قانونية تعطي الصلاحية للرئيس الأول التمييزي القاضي سهيل عبود لانتداب أحد قضاة محكمة التمييز لتولّي هذه المهمّة، الأمر الذي تعارضه جهات قضائية معنية، إذ تعتبر هذه الآلية المستحدثة في تحديد الصلاحيات أمامها عقبات قانونية كبيرة بالرجوع الى نصوص قانون التنظيم القضائي الذي لا يعطي للرئيس الأول التمييزي صلاحية تعيين النائب العام التمييزي، الأخير الذي هو في الأساس نائبه في رئاسة مجلس القضاء الأعلى! وبالتالي له هو ايضاً سلطته على النيابة العامة التمييزية.

 

وفي السياق، ترى مصادر قضائية مطلعة، انّه لا يمكن للنائب العام للرئيس الأول التمييزي أن ينتدب أحد القضاة إلى النيابة العامة التمييزية باعتبارها سلطة مستقلة عن المحاكم، ولها سلطة إدارة نفسها بنفسها في موضوع الانتدابات والتكاليف.

 

في الوقائع

 

من المعروف أنّ منصب المدّعي العام التمييزي في لبنان يتمّ تعيينه من الطائفة السنّية، ويقضي بتعيين نائب عام أصيل من الطائفة نفسها، ولكن في حالات التكاليف لإتمام المهام حتى تعيين الأصيل، تقول مصادر قضائية مطلعة انّه «لا داعي للتوقف حول طائفة القاضي المكلّف بالمهمّة»، وهذا هو واقع الحال الذي شهدناه في حالات مشابهة وفي مناصب شُغرت كحاكمية مصرف لبنان وأيضاً في مؤسسة الأمن العام وما قد نشهده أيضاً في منصب قيادة الجيش.

 

ولكن المعلومات التي حصلت عليها «الجمهورية» تكشف عن محاولات من قِبل الرئيس الأول التمييزي، أي القاضي سهيل عبود، لتكليف القاضي جمال حجار من الطائفة السنّية للمركز الشاغر. ولكن وبحسب مصادر قضائية رفيعة، تشوب هذا الانتداب إن حصل، ثغرات قانونية، إذ يتعارض مع السلطة السياسية التي يعود لها الاختيار، ولو أنّ هذا الانتداب سيتمّ او تمّ من الطائفة السنّية، بحيث أنّ الرئيس الأول أي عبود، حصر ذلك الاختيار للمنصب الشاغر بشخصه فقط، وهذا الأمر تعتبره المصادر نفسها غير جائز.

 

أما السيناريو الثاني المطروح، وفي حال تخلّى الرئيس الأول التمييزي اي عبود، عن قرار التفرّد بالاختيار ولم يُقدم على هذه المخالفة من قانون التنظيم القضائي، تعود صلاحية التكليف للنائب العام التمييزي الأصيل، وذلك قبل مغادرة منصبه، فيعيّن خلفاً له اي أحد المحامين العامين في النيابة العامة التمييزية، وذلك لمتابعة مهامه بانتظار تعيين الأصيل.

 

أسماء مطروحة

 

في المعلومات، يتمّ التداول بثلاثة اسماء مطروحة أمام القاضي عويدات، فيما لو رست عليه مهمّة تكليف قاضٍ بديل بانتظار تكليف الاصيل من قِبل مجلس وزراء مكتمل الصلاحيات. وهم النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم، المحامي العام التمييزي القاضي غسان خوري، والقاضية ندى دكروب رئيسة معهد الدروس القضائية.

 

وفق المعلومات، هناك قبول للأسماء الثلاثة، ولم يتمّ تسجيل اي اعتراض عليهم حتى الآن، بانتظار مراجعة النصوص القانونية والقضائية التي تقتضي التكليف وفق التراتبية الأعلى.

 

فيما تجدر الاشارة، انّ القاضية دكروب هي ابنة اخت الرئيس نبيه بري وزوجة القاضي فادي عقيقي…

 

من جهة اخرى تساؤلات عديدة مطروحة ومحتملة امام هذا الواقع أوّلها: ماذا سيكون موقف الطرف السنّي من «تعليق» تسمية قاضٍ من الطائفة السنّية للمنصب الشاغر فيما لو وقع الاختيار على احد من أسماء القضاة الثلاثة وهم اثنان من الطائفة الشيعية وقاضٍ من الطائفة المارونية؟!

 

هذا وتجدر الاشارة، انّه وفي غياب النصوص القانونية الواضحة والصريحة، لا يحق لوزارة العدل الاعتراض فقط على التكاليف في حال كانت مخالفة للأصول القضائية، بل هي مُلزَمة بالفصل في النزاع القائم اذا كان التكليف مخالفاً للأصول من اي جهة أتى.

 

عِلماً انّ القاضي الذي سيصدر التكليف لمصلحته قد يكون ايضاً عرضةً لعدم تعاون قضاة النيابة العامة معه كما جرى في السابق مع بعض قضاة التحقيق في بيروت.

 

من جهة أخرى، تساؤلات عديدة ستستجد ايضاً بعد مغادرة القاضي عويدات الذي استطاع تدوير الزوايا في مرحلة دقيقة مرّ فيها القضاء في لبنان وبخاصة إبان تفجير الرابع من آب، الذي ستبقى ذيوله تلاحق عويدات الى ما بعد مغادرته… وليبقى السؤال المطروح!؟ ماذا سيكون مصير الدعوى المقامة من قِبل عويدات بحق المحقق العدلي القاضي طارق بيطار، فهل سيستمر تجميدها أم انّها ستُستأنف؟ وهل ستبقى معلّقة أم أنّها ستسلك مساراً مختلفاً بعد تعيين بديل للقاضي عويدات؟

 

المصادر القضائية المتابعة تعلّق: «الأمر متروك لمن سيتمّ تعيينه لخلافة عويدات. فإذا ما تمّ تعيين البديل من قِبل رئيس مجلس القضاء الاعلى سهيل عبود، الأمر معناه أنّ الملف سيتحوّل باتجاه مختلف، بمعنى انّ البديل سيكون «مطواعاً» لمن تولّى تعيينه في هذا المنصب الدقيق، بانتظار الأصيل الذي يبدو انّ وصوله لن يبصر النور ولا حتى في المدى البعيد.