IMLebanon

القضاء الملاذ الأول والأخير

 

يعمد عددٌ من المُشرّعين إلى إعداد دراسات في الفقه القانوني، تسهيلاً لمهمات المحامين وللمتقاضين. والمؤسف أنّ الدولة اللبنانية بكل أجهزتها السياسية، تعمد إلى عدم تنفيذ القرارات والأحكام القضائية، وتُسيِّسُها، خدمةً لمصالحها ولمصلحة من إنتدبتهم لممارسة السلطة بالإنابة عنها، تحقيقًا للأهداف التي تعمل لأجلها، وهي غالباً ما تكون عكس مصالح الناس والدولة بمؤسساتها الرسمية المدنية والعسكرية.

من الملاحظ عند متابعة أي عمل قضائي، نجد أنّ السلطة تعمد إلى عدم تنفيذ القرارات القضائية التي تصدر وفقًا للقانون ولما هو مُشرّع رسميًا، وينعكس هذا الأمر سلبًا على عامة الناس، وعلى عدم إحترام حقوق الأفراد، والتقاعس والغِّشْ إلى ما عدا ذلك من نعوت. وهناك أسباب أخرى نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، عدم وعي المواطنين لحقوقهم، ولا سيّما منها، حقّهم المقدّس في مقاضاة الإدارة السياسية، ولحضّها على تنفيذ القرارات القضائية، إضافةً إلى عوائق الوصول إلى العدالة المرجوّة، كما تواطؤ بعض المنتفعين والسياسيين، الذين باتوا موجودين في كل إدارات الدولة.

 

وفق رأي بعض المُشرّعين، إنّ أساس المشكلة يكمن في أنّ السياسيين لا يرغبون على الإطلاق في تطبيق القوانين المرعية الإجراء، وغالباً ما تتذاكر الغرف وتصدر أحكاماً لا تُنفذْ أو تُميّع عمدًا، وهذه أمور سهّلت على كل الخوارج اللعب في مصائر الناس سياسياً ـ أمنياًـ إقتصادياً ـ إجتماعياً…

 

في لبنان، يُثير تطبيق التشريع بعد نفاذه، مشكلة تكمن في تحديد نطاق تطبيقه من حيث المكان والفئات وحتى زمانيته، وإذا صدر طلب بالإستماع إلى أي مرجعية، تُثار تساؤلات عن سببه وغايته ويوّظف طائفياً ومذهبياً، والقصد من ذلك الأمر، تمييعه وإبعاد شُبهات معينة عن أطراف يمسكون بالسلطة وربما ينفّذون أوامر تأتيهم من خارج المؤسسات الرسمية. إنّ ما يحصل حالياً يتنافى مع مأسسة سيادة الدولة على أرضها وسلطانها على رعاياها، وهذا الأمر يعني أنّ القوانين لا تسري على بعض الناس، وتُستنسب أحيانًا عند آخرين.

 

إنّ علم القانون يهدف إلى تنظيم سلوك الأفراد داخل مجتمعهم. والسؤال المطروح في لبنان: على من تُطبّق القاعدة القانونية؟ لنكرِّرْ السؤال، هل تُطبّق القواعد القانونية على كل الأشخاص المخاطبين بأحكامها، حتى لو كان بعضهم في مركزٍ ما؟ يحكم نطاق تطبيق هذه القواعد من حيث الأشخاص مبدأ يُدعى بمبدأ عدم جواز الإدّعاء على مسؤول معيّن.

 

للتذكير لِما إعتمدته لجنة البندقية في جلستها العامة الرقم 86 تاريخ 8 آذار 2011، التقرير المعني بسيادة القانون الرقم CD – AD 2011 – 003 rev ، وقد حدّد هذا التقرير السمات المشتركة لسيادة القانون ودولة الحق والقانون. كما يتعيّن أن تكون الإجراءات التي تتخذها الدولة متوافقة مع القانون وبموجبه. في حين أنّ هناك إقراراً عالمياً بضرورة المراجعة القضائية لإجراءات السلطة التنفيذية وقراراتها، في شأن طريقة ضمان مطابقة التشريع للدستور. هذا الأمر قانونياً يعني أنّ علاقة القانون والمجتمع بعضهما مع بعض علاقة قوية ومتينة، حيث لا يمكن أن يوجد قانون بلا مجتمع والعكس صحيح، ويتأثر القانون بالمجتمع الذي يتُّم تطبيقه فيه، كما يؤثر القانون بالمجتمع الذي يتمّ تطبيقه فيه.

 

لم يحصل بعد أن تعرّض الباحثون إلى مسألة قانونية بأهمية مسألة «تفجير مرفأ بيروت»، فالحقوقيون اللبنانيّون ميّالون عموماً إلى إعتبار هذا الفعل «عملاً إرهابياً صرفاً»، وعملياً، قد رصدت كل الأبحاث المُستقاة من طبيعة موقع التفجير، فظاعة الدمار وبعض المحاولات لتضليل التحقيق وحرفه عن مساره، ومدى إمكانية تمييع التحقيقات التي تُجرى أو محاولة الإلتفاف عليها وتضمينها بنيوياً أو سياسياً توجّهات جديدة ربما… ما من باحث في الشؤون السياسية والقانونية يجهل الدور الكبير الذي يمكن القاضي أن يلعبه في إرساء القانون وتوطيد دعائم دولة القانون، بما في ذلك حماية الحقوق والحريات العامة. والقاضي بهذا المعنى هو ركن أساسي من الأركان الأساسيّة في أي دولة قانون، وهو من يُطبّقه، ولا قيمة لقانون لا يجري تطبيقه، وهو الذي يعمل على إكمال دور السلطات، أي نقل القوانين من الحيِّز النظري إلى الحيِّز العملي، من دون أن يُشارك السلطات أعمالها. إنّ القاضي هو وسيلة قياس على ما جاء في إحدى الدراسات، إلاّ أنّ ذلك لا يمنعه من الإجتهاد في غياب أي نص قانوني. أي بما معناه، إستنباط القواعد من نصوص قائمة لفّض ما يواجهه من نزاعات. وكل ذلك بهدف المحافظة على حقوق المواطنين وعلى المبدأ العام المتمثِّلْ في حق المواطن في التقاضي. القاضي هو ركن أساسي في السلطة، وإنطلاقًا من ذلك الأمر، فإنّه يقوم بتطبيق القانون على الحُكّام مدنيين وعسكريين، وعلى المحكومين على حدٍ سواء. وكل ذلك ضمن هرمية القواعد القانونية وقوّتها القانونية.

 

لقد أودت جريمة مرفأ بيروت بحياة كثير من الأبرياء الآمنين في بيوتهم، عدا موظفي المرفأ والمّارة، كما الأضرار الجسيمة في الممتلكات. ويُعتبر هذا العمل الإجرامي إنتهاكًا جسيمًا للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان. ووفقًا للقانون، شكّل هذا العمل الإجرامي إبادة جماعية وجريمة حرب ضدّ الإنسانية.

 

إنّ القانون الدولي لحقوق الإنسان يهدف إلى المحافظة على كرامة الجميع وإنسانيتهم. لذا على القانونيين تحديد الخطوط العريضة للإطار القانوني الذي ينطبق ضمنه القانون الدولي لحقوق الإنسان في حالة مرفأ بيروت، مع تحديد بعض مصادر القانون، فضلاً عن فئة الإلتزامات القانونية المفروضة على مختلف الأطراف التي تحكم لبنان. كما يُعتبر هذا العمل الإجرامي إنتهاكًا لنص المادة 70، والتي تنص على أنّه «يحظّرْ إستخدام وسائل وأساليب للقتال من شأنها إحداث إصابات أو آلام لا مبرِّرْ لها «. كما تنص المادة 71 منه على أنّه «يُحظّرْ إستخدام الأسلحة عشوائية الطابع». عدا الأخبار الزائفة وما تنطوي عليه من مخاطر تقوّض التحقيقات، وتساهم في زعزعة قدرة القضاء على قراءة واقعية بمقاربة سليمة. لتلك الأسباب، إنّ القضاء هو الملاذ الأول والأخير… وللبحث صلة.