تخشى مصادر قضائية رفيعة من أن تكون قضية المرفأ قد سلكت منحى سياسياً بامتياز، مع تظهّر المواجهات السياسية الشعبوية والخلافات القضائية إلى العلن، وأبرزها انقسام رأس السلطة القضائية المتمثلة بمجلس القضاء الأعلى. وتنبّه تلك المصادر من انّ هذا الانقسام الذي لم يصل إلى هذا الحدّ إبان اكثر الأزمات القضائية تعقيداً، لن يطيح فقط تحقيقات المرفأ والوصول إلى الحقيقة، بل سيفجّر العدلية وقصرها على رؤوس الكبار والصغار فيها… فيما تخشى من أن يكون التفجير هذا… هو الهدف.
وفي السياق، أثارت البلبلة التي خلّفها بيان مجلس القضاء حفيظة المتابعين والخبراء بأصول الأعمال القضائية، وكان البيان الذي وقعّه 6 أعضاء من مجلس القضاء الأعلى، بمن فيهم المدّعي العام التمييزي غسان عويدات والقاضي عفيف الحكيم، أثار امتعاض رئيس المجلس سهيل عبود، الذي اعترض على مضمونه، فتفرّد في إصدار بيان، معتبراً أنّ مضمون البيان الأول منافٍ للأصول القانونية، الأمر الذي أثار ايضاً امتعاض الأعضاء الستة الذين وفق مصادرهم صوّتوا عليه ونظّموه بموافقة عبود بعد التواصل معه، الّا انّ الأخير تأخّر في الإشارة إلى انّه يريد إضافة جملة أخيرة على البيان قبل إصداره، لكن البيان كان قد صدر قبل تواصله مع بقية الأعضاء للتعديل، والإشارة إلى رفض التدخّلات السياسية في ملف المرفأ. وترى المصادر نفسها، انّ الأمر لا يبرّر تصرّف عبود، لأنّ ذلك يؤدي إلى إضعاف وحدة القضاة الذين أرادوا من خلال بيانهم تجنّب الحديث في السياسة والتركيز على ضرورة احترام القوانين القضائية في قصور العدل وكرامة القضاة. ويرى هؤلاء، إنّه كان يتوجب على عبود إعطاء الأولوية لوحدة مجلس القضاء وليس التصويب على أعضاء مجلس يترأسه…
أوساط مقرّبة من بعض القضاة الأعضاء الموقّعين على البيان الأوّل، علّقت على بيان رئيس مجلس القضاء الذي لمّح باتهامهم بالولاء السياسي لبعض الجهات، بالقول: «المصدر القضائي المزعوم المعروف جيداً، يعزو دائماً فشله إلى اتهام غيره بالخلفية السياسية لمواقفه، وذلك لفقدان الحجج المقنعة لديه، وهو وحده الغارق في السياسة، ومواقفه المنحازة ليست خافية على أحد ضارباً، عرض الحائط كل تعاطٍ ديموقراطي داخل المؤسسات الدستورية».
فيما ذكّرت تلك الاوساط بالمراحل العديدة التي مرّت فيها التشكيلات الجزئية موضحين:
أولاً، انّ التشكيلة الاولى وقّعها وزير العدل ولم يوقّعها وزير المال لأسباب معروفة، إذ أبقاها لديه حتى إحالة القاضي رولا المصري على التقاعد، حيث أعادها لهذا السبب. إذ لا يمكن إصدار تشكيلات تحمل اسم قاضٍ أحيل على التقاعد.
ثانياً، صحّح مجلس القضاء المرسوم وأُعيد مشروع المرسوم وأخذ مجراه القانوني وتوقف من جديد لدى وزير المال للأسباب عينها.
وأضافت الاوساط، انّه وبناءً لطلب اهالي الضحايا واهالي الموقوفين استردّ وزير العدل مشروع المرسوم وأحاله على مجلس القضاء كي يبحث بإمكانية تطبيق المرسوم 13434 /2004 الذي وزع رؤساء الغرف مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.
ثالثاً- لم يحرّك مجلس القضاء ساكناً إلّا عندما وافق على مبدأ تعيين قاضٍ منتدب في ملف انفجار المرفأ، فأرسل مجدداً مشروع تشكيلات يُحال فيها رئيس الغرفة التاسعة في محاكم التمييز على التقاعد بعد 15 يوماً على تلقّي وزير العدل هذا المشروع، فأعاده الاخير مجدداً إلى مجلس القضاء لهذا السبب لإعادة درسه، ولم يتلقَ الوزير من بعدها أي مشروع. الّا انّ وزير العدل لم يتوقف عن المطالبة بإتمام التشكيلات القضائية الجزئية، والمراسلات الحاصلة بينه وبين مجلس القضاء توثق ذلك».
وفي السياق عينه، تعترف تلك الاوساط بحجم الملف الكبير والخطير الملقى على عاتق القضاء اللبناني، وتقرّ بأنّ لبنان وقضاءه ووزارة العدل والعدلية، لم يقاربوا منذ نشأة القضاء هكذا ملف. وتعترف بأنّه كبير وثقيل. وتؤكّد بأنّ مساره طويل، مذكّرة الذين يطالبون اليوم بالحقيقة بانفجارات مماثلة حصلت في تولوز فرنسا، استمر فيها التحقيق عشرات السنين…
مهمة أوروبية تطيح العدلية؟
في الموازاة، تتساءل مصادر حقوقية متابعة لعمل الوفود القضائية الاوروبية، عمّا إذا كانت الأحداث القضائية الاخيرة، أي التحقيقات مع اهالي ضحايا انفجار المرفأ وخصوصاً توقيتها، يهدف إلى إلهاء المعنيين في الجسم القضائي تحديدًا، كما إلهاء الرأي العام عن سيناريو مستقبلي قضائي أوروبي يتمّ العمل عليه بصمت، وإلهاء الشعب اللبناني وقضائه بتفاصيل وبالمواقف الشعبوية، لتحييد نظره عن العصا القضائية الخارجية التي تلوح في العدلية للقضاء اللبناني ولقضاته، بالضربة القاضية، بعدما بدت تلك الوفود متأبطة لمهمّة واحدة، عرفنا كيف بدأت لكننا لا نعلم كيف ستنتهي