في الأمس القريب ردّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مشروع مرسوم التشكيلات والمُناقلات القضائية، التي أعدّها مجلس القضاء الأعلى، مورداً سلسلة ملاحظات حولها، لافتاً إلى أنّ إعادة النظر في هذه المُناقلات أمر مُتاح في كل حين ومناسبة، ومتروك لتقدير مجلس القضاء الأعلى.
وجاء ردّ الرئيس عون، في كتاب وجّهه المدير العام لرئاسة الجمهورية إلى رئيس مجلس الوزراء، بواسطة الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء.
وبعيداً من الملاحظات التي تضمّنها هذا الكتاب، فإنّ السؤال الجوهري المطروح يبقى:
– هل يحقّ لرئيس الجمهورية طلب إعادة النظر في مرسوم عادي، من الوجهة الدستورية؟
نصّت المادة /57/ من الدستور اللبناني على حق رئيس الدولة، بطلب إعادة النظر في أي قانون، يُصدره المجلس النيابي، بعد إطلاع مجلس الوزراء، ومرّة واحدة، ضمن المهلة المحدّدة لإصداره، بحيث لا يجوز أن يُرفض طلبه.
كذلك نصّت الفقرة الثانية من أحكام المادة /56/ من الدستور اللبناني، على حق رئيس الجمهورية، بطلب إعادة النظر في أي قرار يتّخذه مجلس الوزراء، خلال مهلة خمسة عشر يوماً من تاريخ إيداعه رئاسة الجمهورية.
ولكن الدستور لم يتضمّن أي صلاحية لطلب إعادة النظر، في أي مرسوم عادي، وصل إليه لتوقيعه وإصداره.
فالمرسوم العادي، والتي ترعى أحكامه المادة /54/ من الدستور اللبناني، يصدر عن رئيس الجمهورية، ويشترك في التوقيع عليه رئيس الحكومة، والوزير أو الوزراء المختصّون.
ولهذه المراسيم العادية أنواع:
– الفئة الأولى من هذه المراسيم، تخضع للسُلطة الإستنسابية المُطلقة لرئيس الدولة، فَله الحريّة والقرار بتوقيعها مِن عَدمه، أي صلاحية مُطْلقة بالكامل، مثلاً مرسوم مَنح العفو الخاص (الصلاحية المنصوص عنها في الفقرة التاسعة من أحكام المادة /53/ من الدستور).
– الفئة الثانية من هذه المراسيم، لا تخضع للسُلطة الإستنسابية المُطْلقة لرئيس الجمهورية، إنما صلاحيته في خصوصها مُقيّدة وليست مُطْلقة، وهدفها تسيير المرافق العامة، مثلاً مرسوم الإعدام، حيث رئيس الجمهورية مُلْزَم بتوقيعه، وإلّا يكون مُعطّلاً لِدَور السُلطة القضائية التي أصدرت الحُكم النهائي. حيث يكون التوقيع في هذه الحال، توقيعاً شكليّاً وليس استنسابيّاً.
والسؤال المطروح:
ماذا في شأن مرسوم التشكيلات القضائية؟ هل تخضع للسُلطة الإستنسابية المُطلقة لرئيس الدولة؟ أم أنها صلاحية مُقيّدة؟
من الثابت، أنّ صلاحية رئيس الدولة في إصدار مرسوم التشكيلات القضائية، صلاحية مُقيّدة وليست مُطْلقة، لا سيما أنّ المادة الخامسة من قانون القضاء العدلي (150 / 1983) نصّت على أنّ التشكيلات وبعد التأكيد عليها من مجلس القضاء الأعلى، بغالبية موصوفة، تُصبح نهائية ومُلزمة. وبالتالي، صدور المرسوم يُصْبح أمراً شكليّاً، لا أكثر ولا أقلّ.
فضلاً عن ذلك، إنه ولَوْ اعتبرنا جدلاً أنّ صلاحية رئيس الدولة هي صلاحية مُطْلقة وغير مُقيّدة، فإنّ باستطاعة رئيس الجمهورية أن يُعطّل سُلطة دستورية (السُلطة القضائية) ويُمارس وصاية مُقنّعة على المرفق القضائي، من دون وجه حق، بِشَكْلٍ مُخالف لأحكام الدستور.
وبالخُلاصة،
– إنّ قرار رئيس الجمهورية قد شكّل سابقة دستورية، لم يَسْبِق لها مثيل على الإطلاق.
– إنّ قرار رئيس الدولة أوحى وكأنّ الرئاسة الأولى تُمارس وصاية مُقنّعة على المرفق القضائي، بِغضّ النظر عمّا إذا كانت هذه التشكيلات قد اعترتها الشوائب، وبعيداً عمّا تضمّنه كتاب طلب إعادة النظر من ملاحظات.
– إنّ قرار رئيس البلاد قد خالف أحكام المادة الخامسة من قانون القضاء العدلي (150 / 1983) التي نصّت على أن التشكيلات قد باتت نهائية ومُلْزِمة.
وفي الختام،
بعيداً عمّا تضمّنته التشكيلات والمُلاحظات، فلبنان بحاجة اليوم إلى قضاء شريف ونزيه. أطلقوا يد القضاء لاستعادة ما تبقّى، «فالعدل أساس المُلك» يا سادة.