بعدما اعترفت معظم مراجع السلطة القضائية بأنّ خللاً يصيب جسم العدالة ولا بدّ من تنقية ذاتية، تعتبر هذه المراجع في الوقت نفسه، أنّ إنجاز التشكيلات القضائية هو الاختبار الأكبر لقدرة الدولة على محاربة الفساد، لكن الاختبار الأبرز يبقى في إقرار قانون عصري ومتقدّم لاستقلالية السلطة القضائية، يكون بعيداً من الأفخاخ السياسية.
قبل الحديث عن مشروع قانون السلطة القضائية المستقلة الذي عُلِّق إقراره في الجلسة التشريعية الاخيرة لمدة شهر لدرسه، بناءً على طلب وزير العدل هنري الخوري، كشف الاخير انّ مشروع القانون المعدّل في لجنة الإدارة والعدل لم يصل الى مكتبه لإبداء رأيه فيه، على الرغم من مطالبته به. موضحاً انّ ما حصل عليه قبل ثلاثة ايام من موعد الجلسة التشريعية، كان مشروع قانون مختلف تماماً عن القانون الذي درسته وزارة العدل وأحالته الوزيرة السابقة ماري كلود نجم، مقروناً بجدول ملاحظات واقتراحات لبنود إصلاحية لمشروع السلطة القضائية المستقلة، ولم يصلها أي جواب عن هذه الملاحظات، كما لم يحصل الخوري ايضاً على أي إجابات تتعلق بتلك البنود الاصلاحية، بما انّ العمل الوزاري هو استمرارية. وفي المعلومات، انّ الملاحظات كانت عبارة عن مطالعة مؤلفة من اكثر من 30 صفحة، تتوافق مع المبادئ الأساسية التي يعتمدها المجتمع الدولي والاتحاد الاوروبي لإقرار قانون استقلالية قضاء مثالي.
بين النفي والتأكيد
وعلى الرغم من تأكيد النائب جورج عقيص أنّه تمّ إرسال المستندات المطلوبة الى وزارة العدل، الّا انّ مصادر الخوري تصرّ على انّ المستندات التي في حوزته تنفي تسلّم أي نسخ نهائية لمشروع القانون الجديد الذي عدّلته لجنة الإدارة والعدل النيابية، من دون الأخذ برأي وزير العدل ولا حتى رأي رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود.
وفيما يؤكّد البعض انّه تمّ التوافق على 95% من نصوص القانون الذي أُحيل الى الهيئة العامة لمجلس النواب، تسأل مصادر وزير العدل عن الجهة التي توافقت على نسبة الـ95% هذه، مستغربة عدم إشراك المعنيين الأساسيين في هذا التوافق، أي وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى.
اما عن مصير مشروع القانون اليوم، فتؤكّد مصادر وزير العدل، أنّه بدأ منذ يومين درسه بواسطة مجموعة متخصّصة من القضاة، على أمل الانتهاء منه وإحالته مع الملاحظات الى لجنة الادارة والعدل خلال مدة شهر، مرفقاً برأي وزير العدل وملاحظات رئيس مجلس القضاء الاعلى والبنود الإصلاحية التي وضعتها وزيرة العدل السابقة ماري كلود نجم.
واكّدت مصادر وزير العدل ضرورة ان يتمكن الجسم القضائي من وضع قانون لاستقلالية السلطة القضائية، يحظى بثقة الاتحاد الاوروبي والمجتمع الدولي والمستثمرين الذين يعوّلون كثيراً على استقلالية القضاء قبل الاستثمار في لبنان، كما انّ الاتحاد الاوروبي يقيّم البلاد من خلال تدقيقه وتقييمه لمدى توافر شروط استقلالية القضاء فيها.
التشكيلات القضائية
اما التشكيلات القضائية المعلّقة منذ اكثر من سنتين، فهي لا تزال على لائحة الانتظار، بعدما أحدثت شرخاً كبيراً بين السياسة والقضاء، وجاء بعدها انفجار المرفأ لتفجّر تداعياته، ليس فقط خلافات قضائية ـ سياسية بل نزاعات عمودية داخل الجسم القضائي نفسه.
وعن مصير هذه التشكيلات وما اذا كانت لا تزال صالحة، تكشف المصادر انّ التشكيلات في صيغتها السابقة لم تعد صالحة لأسباب عدة وابرزها:
– إحالة بعض القضاة الذين تمّ نقلهم في التشكيلات السابقة الى التقاعد.
– تسمية قضاة وزراء في الحكومة الحالية ومنهم وزير الداخلية القاضي بسام مولوي ووزير الثقافة محمد مرتضى، وهما قاضيان ورد اسمهما في التشكيلات السابقة.
– استقالات واستيداعات لبعض القضاة الذين وردت اسماؤهم في التشكيلات الماضية، ومنهم القاضي زياد مكنّا وغيره ممن قدّموا استيداعاتهم في وزارة العدل لمدة سنتين أو ثلاث…
– تعيين قضاة أعضاء في مجلس القضاء الأعلى كانت اسماؤهم مطروحة من ضمن التشكيلات القضائية السابقة.
– مجلس قضاء جديد يحق له إبداء رأيه في التشكيلات ويكون متمايزاً عن المجلس القديم، أي يحق للقضاة الجدد في المجلس الجديد إبداء رأيهم.
كل هذه الاسباب وغيرها تشير الى عدم إمكانية السير في التشكيلات القضائية السابقة.
– الحكومة الجديدة التي من الممكن ان تبدي رأيها او ملاحظاتها على التشكيلات الجديدة.
– وزير جديد للعدل يحق له إبداء رأيه في التشكيلات القضائية.
تحريك 90 مركزاً قضائياً
اما العامل الأبرز الذي سيطرأ حكماً في التشكيلات الجديدة فهو حركة الـ35 قاضياً الذين تخرّجوا من معهد القضاة وهم في انتظار تعيينهم وتشكيلهم في مراكز جديدة، علماً انّ تعيين هؤلاء أعضاء في محكمة البداية يحرّك حكماً 35 قاضياً من مراكزهم، أي قضاة البداية السابقين الذين سيحلوّن بدورهم في مكان القضاة المنفردين، وهؤلاء المنفردون أنفسهم قسم منهم سيُعيّنون مستشارين في الاستئناف، أي انّ 35 قاضياً حين يتمّ وضعهم مكان 35 قاضياً آخرين سيحرّك 70 قاضياً من أماكنهم، هذا عدا عن القسم المتبقّي من القضاة المنفردين الذين عُيّنوا مستشارين، أي 20 قاضياً، وفي هذه الحال يكون القضاة الـ35 قد حرّكوا او سيحرّكون 90 قاضياً من أماكنهم.
وتجدر الإشارة الى وجوب تعيين 10 قضاة بدلاء عن رؤساء غرف التمييز والاستئناف الذين أُحيلوا الى التقاعد، وهؤلاء سيحرّكون 10 قضاة من أماكنهم، ما يفرض تعيين 10 قضاة آخرين مكانهم، أي انّهم يحرّكون 30 مركزاً قضائياً إضافياً…
ولهذه الأسباب القضائية المتشعبة وربما غيرها، لم تعد التشكيلات القضائية السابقة تصلح للمرحلة الحالية، في وقت تتوجس مراجع قضائية مطلعة من إمكانية عدم إنجاز التشكيلات القضائية الجديدة. وتتساءل: «إذا لم تفلح السلطة القضائية الحالية في إتمام التشكيلات القضائية والاتفاق عليها قبل انفجار الرابع من آب، في وقت لم يكن الاحتدام السياسي والقضائي على اشدّه كما هو الآن، فكيف ستتمكن بعد الانفجار من إنجازها، واكبر دليل على عدم الوفاق، هو عدم الاتفاق حتى الساعة على التشكيلات الجزئية الضرورية لملء الشغور في رئاسات غرف التمييز، حتى انّ مجلس القضاء لم يتمكن من تعيين قاضٍ واحد لهيئته التي فقدت نصابها بعد تقاعد القاضي روكز رزق، فكيف ستتمكن بالتالي من إنجاز تشكيلات قضائية كاملة ومكتملة؟».