بجدارة أصبح التدخل في القضاء أمراً سهلاً ومباحاً بعدما كان الكثيرون يحترمون القضاء ولا يجرؤ أحدٌ أن يجرّح أو يشكك فيه.
وأصبح الإعتداء على القضاء والقضاة أمراً سهلاً وغب الطلب.
أحكام يجب أن تكون بالإعدام تصدر بحكم لسنة واحدة، وإذا حصل تدخل سياسي يصبح القاتل مظلوماً والقتيل هو الظالم.
العدالة صارت في خبر كان ولم يعد لها أي صدقية.
بإسم القضاء ترفع القضايا ويودعون في السجون فئة معيّنة من الناس، وهناك فئة ثانية على رأسها تاج ممنوع محاسبتها أو اتخاذ أي قرار ضدها.
والفضيحة الكبرى كانت في محاكمة المتعاملين مع إسرائيل حيث أصبحت القضية أيضاً وجهة نظر ومعظمهم لم ينالوا جزاءهم إلاّ 10% ممّا يجب أن يحاكموا به.
حديث الساعة اليوم نهر الليطاني والإعتداءات على هذا النهر العظيم الذي لو عرفنا كيف نتعامل معه لكانت الكهرباء تنتج منه.
والأهم بالنسبة الى تلوّث هذا النهر العظيم وأيضاً نهر البردوني… القضية أنّ الرئيس اياد بردان، وهو قاض محترم لا يخاف إلاّ من حكم ربّ العالمين، وبعدما بنى قراره على تقارير من مختبرات موثوقة… استدعى صاحب معمل «ميموزا» وأجرى معه تحقيقاً اعترف أنه لا يترك المعمل لا في الليل ولا في النهار وكل صغيرة أو كبيرة في المعمل يشرف عليها شخصياً… وبعدما تأكد القاضي من مسؤولية صاحب المعمل عن معرفته بأنّ النفايات الصناعية تذهب من المعمل الى النهر وتتسبّب بتلوّث بيئي ما ينتج عنه مادة مسرطنة… فاتخذ قراراً بإيقافه وإحالته للمحاكمة حسب القانون بعد إقفال المعمل بالشمع الأحمر… والمصيبة أنه بعد توقيف لمدة ساعات معدودة، قبل إخلاء سبيله، فقد كانت قاضية التحقيق المناوبة مرجة مجدلاني قد استمعت الى إفادة المهندس التنوري واتخذت قراراً بتركه مقابل كفالة مالية مقدارها 100 مليون ليرة، وعلى الأثر أرسل الملف الى النائب العام الاستئنافي في البقاع القاضي منيف بركات الذي كلف بدوره المحامي العام جوزف غنطوس بالنظر في الملف وقرر القاضي غنطوس الموافقة على ترك التنوري.
والمؤسف أنّ «نواب الأمة» كما يسمّيهم الدستور اجتمع ثلاثة منهم ومارسوا ضغطاً على القضاء ما أدّى الى إخلاء السبيل.
واللافت أنّ النواب الاشاوس قلما يجمع بين الأحزاب والتكتلات التي ينتمي كل منهم إليها أي جامع… فجأة وبسحر ساحر التقى النواب: أنور جمعة (كتلة الوفاء للمقاومة – «حزب الله») وميشال ضاهر (تكتل لبنان القوي – التيار الوطني الحر) وجورج عقيقي (كتلة الجمهورية القوية – «القوات اللبنانية») ونسّقوا في ما بينهم، ومارسوا الضغط على القضاء.
طبعاً لم يمرّ إخلاء السبيل ببساطة أقله لدى الرأي العام الذي عبّر عن استنكاره الشديد لقرار إخلاء السبيل، ونظم تظاهرات إحتجاج، وتناولت وسائل الإعلام المسألة باستنكار كبير… وعلى الاثر أحال وزير العدل سليم جريصاتي القاضية على التفتيش القضائي.
متى يترك السياسيون القضاء ليمارس سلطته بمسؤولية وضمير حي وفق القوانين المرعية الإجراء؟
متى يرفع السياسيون، مسؤولون وغير مسؤولين، وزراء ونواباً (…) أيديهم عن القضاء؟
وكيف نبني دولة القانون والعدالة؟
لقد حرمتمونا الكهرباء بشكل طبيعي، وحرمتمونا المياه في بلد المياه.
حتى المطر الذي هو نعمة حوّلتموه الى نقمة بـ»فضل» إهمالكم ولامسؤوليتكم وتقاعسكم وتقديمكم مصالحكم على المصلحة العامة…
فحلّوا عن ظهر القضاء.
عوني الكعكي