IMLebanon

القضاء والنزاع السياسي

 

 

أسوأ ما يمكن أن يحصل للتحقيق في انفجار بيروت إغراقه في النزاع السياسي – الطائفي. فإذا حصل مثل هذا الأمر، فعلى التحقيق والحقيقة السلام، ولكليهما وللضحايا تمنّياتٌ بالرحمة… والعوض بسلامتكم.

 

والنزاع السياسي الذي يرتدي لباساً طائفياً ومذهبياً قائمٌ ويزداد حدّةً. أدواته، الأحزاب الدينية والتيارات والحركات المذهبية التي تعتمد الدين ومتفرّعاته في خطابها التعبوي، بمواجهة الآخر من المذهب أو الدين المختلف. وهذه الأحزاب والتيارات ليست متماثلة، فيها من يضع هدفاً له قيام الدولة الدينية، وفيها من يجعل الدين والمذهب مطيةً لتعزيز حصّته في النظام الطائفي القائم. والجميع يتّفق في الظرف الراهن على تبادل المصالح والحمايات، خوفاً من محاسبةٍ ستطاولهم في غالبيتهم، بوصفهم مسؤولين عن إيصال البلد الى ما وصل اليه، نهباً وسرقةً وإهمالاً وتواطؤاً وإخلالاً بالسيادة والإستقلال.

 

فوق ذلك، أطاح تحالف الأحزاب والتيارات والحركات المذكورة بأساسيات البنية القانونية والدستورية للدولة اللبنانية. وهم، إذ استساغوا التلاعب بالمواعيد الدستورية لتداول السلطات، أرسوا مدرسةً للتلاعب بكلّ شيء، بالقوانين وبالأصول وبالأعراف. واتّخذ هذا التلاعب أشكالاً عدّة، تبدأ بالإهمال الوظيفي وتصل الى الفساد العميم ولسان حال الموظّف:” الثلم الأعوج من الثور الكبير”، وسؤال الآدمي يصبح: “أليس في الجيش إلا طنسة”؟

 

وآخر فصول التلاعب ما يتّصل بتشكيل الحكومة، إذ من غير المفهوم هذا التأخير في بتّ تشكيلةٍ أعدّها الرئيس المكلّف بالمهمّة، ومن غير المفهوم أن يتحدّث رئيس الدولة عن مشروع تشكيلةٍ موازية. فمن يتحمّل المسؤولية أمام مجلس النواب هو رئيس الحكومة والوزراء الذين يختارهم، وليس رئيس الجمهورية أو أي موقع آخر.

 

كان المنتظر أن تولد الحكومة وتذهب الى مجلس النواب، ولا يزال ذلك مطلب اللبنانيين والعالم بأسره، كي يتمّ البدء بمعالجة آثار الأزمة الجهنّمية التي يعيشها لبنان، وما زال الأمل بهذه الولادة قائماً، بالرغم من الشدّ والجذب غير المفهومين.

 

لا يعني ذلك التقليل من أهمّية ما يقوم به القضاء من متابعة لجريمة المرفأ أو جرائم الفساد الأُخرى. وبالعكس، فإنّ فتح ملفّات الفساد والإهمال والإجرام ينبغي تعميمه ليطال الإدارات كافة والمسؤولين عنها. وبذلك يستعيد القضاء استقلاليته ويفرضها فرضاً، كي لا يتحوّل تحرّكه، كما يحصل اليوم، جزءاً من التنازع السياسي، وأداة في معركة سلطة، مهمّته الإستقلال عنها.