محكمة الاستئناف في بيروت ترفض دعاوى الردّ المقدمة من المدعى عليهم، النواب الثلاثة نهاد المشنوق وعلي حسن خليل وغازي زعيتر، في قضية انفجار مرفأ بيروت، وذلك لعدم الاختصاص النوعي، وعليه يعود المحقّق العدلي في قضية انفجار المرفأ، القاضي طارق البيطار، لاستكمال عمله في القضية. ما حصل في القضاء اللبناني يثبت مرّة جديدة أنّ في لبنان قضاة نزيهين، وهم غير مستعدّين لأن يقبضوا الثلاثين اليوضاسيّة، لأنّهم أبناء الحقّ، وسيقولون الحقيقة مهما كانت صعبة، لأنّهم أحرار كيانيّون لا يساومون. وهذا ما ترك ارتياحاً عارماً لدى أهالي الضحايا والمصابين، سرعان ما انعكس ارتياحاً اجتماعيّاً في المجتمع اللبناني المحبط. هذا في الشكل القانوني، أمّا عمليّاً فكيف تُقرأ هذه الخطوة بالسياسة؟ وهل من تداعيات سياسيّة ستنعكس على الوطن ككلّ؟
ما أفظع الشعب اللبناني “المركّباتي”، حيث هو قادر بسحر ساحر أن يضع أذني الجرّة أينما شاء، كأنّه الفاخوريّ والتاجر والزبون في آن معاً! علت الأصوات من جديد بعد صدور القرار لتصبّ غضبها على القضاء ككلّ وتتهمه بالتسييس. حتّى بلغت وقاحة بعضهم على مواقع التواصل الاجتماعي إلى اتّهام القضاء اللبناني بالعمالة. يا أخي، العمالة لمَن؟ إمّا أن تأتي نتائج كلّ شيء في لبنان كما يريد متشدّقو الممانعة الذين يفاوِضون العدوّ الممَانَع معه، وإمّا يصبح الكلّ عملاء لهذا العدوّ!
لتعود وتنتشر أفلام تظهر فيها طائرتان فوق حريق المرفأ قبل الإنفجار الكبير. وهذه فرضيّة ليست مستبعدَة إطلاقاً. لكن أن يتحوّل هؤلاء جميعهم إلى محقّقين عدليّين هذا مرفوض بالطبع والطبيعة. فلننتظر نتائج التحقيق وبالطّبع لن نحزن إن ثبُتَ اتّهام العدوّ الإسرائيلي المجرم أساساً بحقّ وطننا وشعبنا اللبناني الأصيل وليس العميل. إضافة إلى بروز التسريبات قبل الدّعاوى الثلاث التي قدّمَت. مَن يعلم إن لم تكن تسريبات “أبو عدَسِيَّة” لإضاعة التحقيق؟
من المؤكّد أن ردّ الدّعاوى الثلاث قد سبّب إرباكاً لمدّعي الممانعة الذين أخذوا على عاتقهم تهديد المدّعي العام القاضي البيطار بشكل سافر وعلني ووقح. وهذا ما سيدفع مايسترو هذه الفرقة المتغطرسة إلى الانتقال نحو الخطّة البديلة. ومَن يعلَم ما قد تكون البدائل؟ فالإحتمالات كلّها واردة.
فهذه المنظومة التي تحمي ظهرها تلك المنظّمة المسلّحة مستعدّة لأن تقبل بكلّ شيء، شرط أن تحافظ على بقائها في السلطة لأنّنا قد دخلنا عمليّاً في حرب وجوديّة. فعمليّاً ما أقدم عليه القضاء هو صفعة قويّة لهذا الثنائي أي المنظومة والمنظّمة. وستدأبان معاً على الإنتقال إلى مواجهة من نوع جديد بعد فشل مواجهتهما القضاء بالقضاء للقضاء على القضاء.
ومع هذا الثنائي تبدو الأبواب كلّها مشرّعة؛ من التشريع إلى ما هو غير شرعي، وحتّى غير إنساني.
فمَن يسرق النّاس ويساهم بإهماله وتواطئه بتفجير 4 آب لن يكون بعيداً من أيّ عمل آخر. لقد خسر هذا الثنائي معركة كبيرة بالسياسة حيث ثبّت القضاء اللبناني قدرته على قول الحقّ وعمل الضمير الحيّ.
ومتى كان ضمير القضاء حيّاً فالوطن بأسره يبقى حيّاً، حتّى لو أرسلوه إلى قعر الجحيم. فلبنان ما زال حيّاً ولن يتمكّنوا من قتله. لذلك خوفهم الكبير من ملفّ التشكيلات القضائيّة، الذي على ما رشح من تسريبات بعض الأبواق التي تدور في فلك هذا الثنائي، بأنّه عالق عند اسم قاضٍ واحد، إمّا يُشطَبُ هذا الإسم وإمّا لن تصدر هذه التشكيلات.
هذه أبهى طرق ممارسة الديموقراطيّة التعطيليّة التي برع فيها هذا الثنائي. ومَن اختبر طرائق عمله يعلم جيّداً أنّ عمليّة ” القبع” التي هدّد بها ستأخذ أشكالاً جديدة. لكن الكيانيّين الأحرار سيكونون بالمرصاد. ولن يُسمَحَ من جديد التحايل على القانون. مع العلم أنّه كلّما قويت إرادة النّاس بالحصول على الحقيقة كلّما ستقوى تجاوزات هذا الثنائي للحقيقة وللقانون.
وهذا ما قد ينعكس على الوضع السياسي العام. مع علم هذا الثنائي المسبَق بأنّ لبنان اليوم هو تحت المجهر الدّولي بامتياز. فالفرنسيّون لن يقبلوا إلا بتسجيل نقاط في الديبلوماسيّة الدّوليّة بعدما استغلّوا انشغالات الرئيس الأميركي وفريقه في أمكنة أخرى من العالم لاعتبارات خاصّة بالولايات المتّحدة الأميركيّة.
من هنا، السباق اليوم في لبنان سيكون ثلاثيّ الأبعاد:
– البعد الأوّل: دأب المنظومة الحاكمة على استثمار الدّعم الدّولي الموعود لتؤمّن استمراريّـتها.
– البعد الثاني: استفحال المنظّمة إلى أبعد حدود لتحمي المنظومة التي لا يبدو أنّها مستعدّة لأن تحرقها في مُستَوقَدِ البخور الدّولي.
– البعد الثالث: استماتة الحكومة اللبنانيّة لتسجّل ولو إنجازاً واحداً في رصيدها ورصيد رئيسها، عسى أن يشكّل هذا الإنجاز جسر عبور للرئيس ميقاتي إلى حكومة ما بعد الإنتخابات، وربّما أبعد من ذلك، أي نحو زعامة جديدة لطائفته.
ولعلّ هذا القرار القضائي سيعطي الدّعم والزّخم للجبهة السياديّة التي بدأت نواتها العمل على بلورة خريطة طريق سياسيّة – سياديّة لتحقيق الإنقلاب الأبيض من خلال العمليّة الإنتخابيّة المرتقبة. وهذا ما سينعكس تصلّباً شديداً في موقع الثنائي الغاصب، أي المنظومة والمنظّمة. وقد يلجأ إلى المستحيل لتقويض نتائج الإنتخابات وإصدارها سلفاً، حتّى لو اضطرّه الأمر إلى ارتكاب الموبقات لأنّها ستطيح بالمحظورات التي قد تطرده من جنّة الحكم. ومَن يعلم إذا ما قد تكون نتائج ملفّ التحقيق القضائي في انفجار المرفأ الصاعق الذي سيتمّ بوساطته تفجير العمليّة الديموقراطيّة الإنتخابيّة المرتقبة؟