IMLebanon

السلطة القضائية تتحلّل… و”العهد” يسخّر القضاء في معاركه السياسيّة

 

مطالبة التفتيش القضائي ومجلس القضاء الأعلى بحسم الأمور

 

 

إستُحضرَت «المحسوبيات القضائية» التي يستخدمها «العهد» عبر القضاة المقربين منه على أبواب الإنتخابات النيابية في محاولةٍ متجددة لتضليل الرأي العام والضغط على الخصوم لكمّ الأفواه وترهيب قادة الرأي الحرّ من إعلاميين وسياسيين عشيّة الإستحقاق الإنتخابي.

 

إيهام المواطنين أنّ الإدعاء على حاكم البنك المركزي رياض سلامة وتوقيف شقيقه رجا، وإلقاء الحجز على ممتلكات المصارف ورؤساء مجالس إداراتها، ومنع المصارف من تحويل الأموال إلى الخارج، بالتزامن مع الإدعاء على المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان وفبركة ذريعة للإدعاء على رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بملف غزوة عين الرمانة وجرائم جنائية عدة، وصولاً إلى الإدعاء على الزميل مارسيل غانم ومحطة MTV والمحامي مارك حبقة بجرم القدح والذم والتحقير، بعيداً عن أي مسوغٍ قانوني كلها عوامل «تشكل علامات استفهام كبرى على صعيد الأداء القضائي، بحيث أصبح تسخير القضاء لأهداف سياسيّة ولاستهدافاتٍ واقتصاص من أحزاب سياسيّة وشخصيّات بغرض النجاح في الإنتخابات، والتأثير على نتائج الإقتراع» كما يقول المحامي والخبير الدستوري سعيد مالك.

 

ورأى مالك أن «حفلة الجنون الجارية على المسرح القضائي تشكل «مجزرة» بحق القضاء، عبر الضغوطات السياسية التي تمارس وتفقد القضاء دوره»، وأوضح أن «الإجراءات المتبعة لا تتطابق والقانون، وتالياً، لا يمكن لأحد أن يتوقع ما يمكن أن تؤول إليه القرارات القضائية، التي يمكن أن تتخذ من خلال رزمة من القضاة تنفيذاً لأجندة سياسيّة»، وذلك «في ظل تقاعس السلطات القضائية عن القيام بدورها، وتحديداً بعد إقدام رئيس وحدة التنسيق والارتباط في «حزب الله» وفيق صفا بتهديد رئيس مجلس القضاء الأعلى والمحقق العدلي في قضية تفجير المرفأ القاضي طارق البيطار من داخل قصر العدل دون أن يرف جفن للقضاء في هذا الموضوع».

 

توازياً، وفي توقيت مريب، إستحضر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي معطيات وردت على لسان الرئيس السابق لـ «نمور الأحرار» جورج أعرج، في مقابلة على «يوتيوب»، مشيراً إلى مسؤوليةٍ ما لـ «القوات اللبنانية» في أحداث الطيونة، ما دفع عقيقي الذي تشكك «القوات» بحياديته، إلى الإدعاء على الدكتور سمير جعجع وإحالة الملف إلى قاضي التحقيق العسكري الأول بالإنابة فادي صوان لاستدعاء جعجع كمدعىً عليه وليس كشاهد، رغم قيام وكلاء الدفاع عن موقوفي أحداث الطيونة بتقديم شكوى أمام التفتيش القضائي بوجه القاضي عقيقي ردّاً على مخالفات متعددة ارتكبها في هذا الملفّ، إلى جانب دعوى أخرى تطالب بـ «كفّ يده» أمام محكمة الاستئناف المدنية في بيروت، بسبب الخصومة التي نشأت بين الفريقين.

 

تزامناً، ورغم المساعي التي يقوم بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وتكليف وزير العدل القاضي هنري الخوري ترؤس لجنة من قضاة ومصرفيين للبحث بالمسار القضائي – المصرفي، أقدمت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون على اتخاذ سلسلة قرارت بحق المصارف، ومن خارج صلاحياتها، لتعمد في سياق متصل، وبعد مطالبتها مجلس القضاء الأعلى بملاحقة الإعلامي مارسيل غانم، إلى تقديم شكوى مباشرة متخذة صفة الادّعاء الشخصي ضدّ الزميل مارسيل غانم ومحطة «MTV» والمحامي مارك حبقة بجرم القدح والذم والتحقير خلال برنامجه «صار الوقت».

 

بدوره، وضع المحامي مارك حبقة إدعاء القاضية عون ضمن «مسلسل الترهيب الواضح» الذي يقوم به «العهد»، مسجلاً «عتباً كبيراً على مجلس القضاء الأعلى والتفتيش القضائي اللذين لم يقوما بمحاسبة القاضية غادة عون منذ سنتين حتى اليوم»، مؤكداً «أنه لو تمت محاسبتها لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم رغم وجود عشرات الدعاوى الجزائية بحقها»، داعياً «مدعي عام التمييز الذي يرأس القاضية عون تسلسلياً، أن يضع يده على الملفات التي تستخدمها بعيداً عن الأصول القانونية ويضعها عند حدها».

 

وشدد حبقة على أنّ «الدعوى التي تقدمت بها غير قانونية بامتياز، لأنه في حال ثبت قيام صحافي أو محطة إعلامية في أي جرم، من المفترض أن يحال الصحافي او المؤسسة إلى محكمة المطبوعات، وليس إلى النيابة العامة»، موضحاً أن «الحصانة التي يتمتع بها المحامي والمرتبطة بالأقوال المتعلقة بالدعاوى التي يمسكها، لا يمكن إعتبارها كجرم مشهود»، مؤكداً أنّ «هذه الدعاوى سياسية كيدية ولا ترتبط بالقانون»، إنما «تهدف إلى قمع الإعلام الحر ورجال القانون المستقلين، وهذا ما لا يمكن القبول به». إلى ذلك، وضع المحامي سعيد مالك «الإقترافات التي يقوم بها بعض القضاة لا سيما القاضية عون والقاضي فادي عقيقي، لجهة القرارت والتجاوزات والإجراءات والتي يتخذونها دون وجه حقّ ودون أي سند قانوني، في عهدة ومسؤولية السلطات القضائية وأركان الجسم القضائي، من رئيس مجلس القضاء الأعلى إلى النائب العام التمييزي إلى رئيس هيئة التفتيش القضائي».

 

ولفت إلى أن القاضية غادة عون، «ذهبت بعيداً بقراراتها المرتبطة بالمصارف وأطاحت نص المادة التاسعة من أصول المحاكمات الجزائية، والتي تتكلم عن الصلاحية المكانية، مصادرةً صلاحيات النائب العام المالي، وأطاحت صلاحيات قاضي التحقيق إن كان لجهة قرارات منع السفر أو منع التصرّف أو منع تحويل أموال، التي هي قرارات من صلاحية قضاة التحقيق وليس من صلاحيات النائب العام».

 

وعن الإدعاء على جعجع، أوضح مالك أن «القاضي فادي عقيقي، أطاح نصّ المادة 36 اصول محاكمات جزائية، والتي تنص صراحة على أنه فور إنجاز تحقيقاته ووصول الملف إلى قاضي التحقيق العسكري ترفع يده عن المنازعة»، قبل أن يبتكر القاضي عقيقي إدعاءات إضافية ويلحقها في الإدعاء الأساسي، إضافة إلى وجود مخالفة صارخة لنص المادة 16 من قانون أصول المحاكمات الجزائية والتي تنص صراحة على أنه يقتضي على النائب العام الإستئنافي أو المالي أو مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية إشعار النائب العام التمييزي بأي تطور ضمن إطار أي جريمة على مستوى جرائم كبيرة ممكن أن تؤثر على الوضع اللبناني العام كغزوة عين الرمانة، وبالتالي اليوم، عندما يذهب القاضي عقيقي إلى الإدعاء بشكل منفرد دون العودة إلى النائب العام التمييزي من أجل أن يأخذ توجيهاته في هذا الخصوص يكون يخالف القانون وتحديداً قانون أصول المحاكمات الجزائية». وعن دور التفتيش القضائي، أوضح أنه «كان يفترض بالتفتيش القضائي أن يفتح تحقيقاً بهذه التجاوزات ولكن للأسف اليوم ما يجعل التفتيش القضائي مكبلاً هو التدخلات السياسية والتي تمنع هذا الجهاز من إتمام دوره وممارسة نشاطه حسب الأصول وسنداً للقوانين المرعية الإجراء». وطالب «مجلس القضاء الأعلى وكامل أعضاء وأركان الجسم القضائي، بأن يتحرروا من هذه القيود ومن الذين يكبلون أيديهم على الصعيد السياسي والذهاب نحو إعلاء المصلحة الوطنية العليا وإحقاق الحق وتطبيق القانون بحرفيته».

 

وشدد مالك على أن «ما يحصل هو مجزرة بحق القضاء، مجزرة بحق العدالة، فعندما يذهب قاضٍ إلى الإدعاء ضمن أجندة سياسية هذا يجعل مصير القضاء قاتماً»، مؤكداً أن «الدولة من دون قضاء ومن دون عدالة لا يمكن أن تقوم، ما يؤدي حكماً إلى هدم الهيكل على رؤوس الجميع».

 

ردود فعل واستنكارات

 

لاقت تلك الإدعاءات إستنكاراً واسعاً لدى اللبنانيين، ورد حزب «القوات اللبنانية» على ذلك بالقول «إن هناك خصومة بين عقيقي والحزب، وأنه كان يتهرب من تبلّغ دعوى الردّ، لعدم رفع يده عن الملف»، واصفاً «تلك الممارسات بأنها تدمير ممنهج للقضاء والعدالة في لبنان» مشيراً إلى «أن البعض يقومون به «استجابة لبعض الأطراف السياسية، وبالأخص «حزب الله»، و»التيار الوطني الحر»، للاقتصاص من أخصامهم السياسيين»، مطالباً «رئيس مجلس القضاء الأعلى، ومدعي عام التمييز بـ «التدخل فوراً» ووضع حد لما وصفها بـ «الممارسات الشاذة التي تهدد بتدمير ما تبقى من القضاء ومن المؤسسات في لبنان».

 

توازياً، أصدرت هيئة الرئاسة في «تيار المستقبل» بيانا لافتا في توقيته ومضمونه، معربةً عن حزنها وأسفها لوصول «التحلل من كل القيم الى حدود استخدام بعض الاذرع القضائية في انتهاك مفاهيم العدالة والمشاركة في حروب الاستنزاف المالي والمعيشي والاداري وتعريض السلم الاهلي والحريات العامة لأبشع التجارب». وتوقفت هيئة الرئاسة بشكل خاص «عند ادعاء مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية على رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في احداث الطيونة، وترى فيه خطوة تسيء الى القضاء اللبناني كسلطة تعنى بحماية مقتضيات السلم الأهلي لا باثارة النعرات الطائفية». وحذرت الهيئة من الامعان في هذه السياسات العشوائية من منطلق دفاعها عن الحق والعدالة، مشيرة إلى أنّ «هناك من يريد القضاء مزرعة حزبية تعمل غب الطلب»، مطالبةً «مجلس القضاء الاعلى ان يحسم الأمر وان يقول الأمر لي، وليس لقضاة الحزب الحاكم والغرف القضائية المكلفة اعداد الاحكام المسبقة».

 

وعن الإدعاء على الجسم الإعلامي، دعى وزير الإعلام زياد مكاري إلى عدم الإستقواء على الإعلاميات والإعلاميين، قائلاً: «حرية التعبير في لبنان مقدسة. لا تُسترجع حقوق مالية مسلوبة، من خلال انتهاك حقوق اخرى مكتسبة. كفى استقواء على الاعلام، الاعلاميات والاعلاميين».

 

بدورها رأت الوزيرة السابقة مي شدياق، أن القاضية غادة عون تتسلى بمصير اللبنانيين واضعة خطوة عون في خانة «الجنون الرسمي قبل الإنتخابات».

 

في حين برز تضامن العديد من النواب والقوى السياسية من بينهم نواب كتلة اللقاء الديمقراطي، فعبّر النائب وائل بو فاعور عن «تضامنه مع مارسيل غانم بوجه التعسف»، وأشار النائب أكرم شهيب إلى أن «لبنان وطن الكلمة الجريئة والصحافة الحرة، لا يمكنه أن يكون بلداً شمولياً، ولن يكون»، كما شدد النائب بلال عبدالله على أن «الاستنسابية والإنتقائية في فتح الملفات القضائية وما ينتج عنها من استهدافات سياسية وإعلامية واقتصادية تفرض علينا الإسراع في تكريس استقلالية القضاء، وتحريره كليا من تدخلات السلطة»، داعياً إلى «انتخاب كافة أعضاء مجلس القضاء الأعلى من الجسم القضائي».

 

في حين طالب النائب طوني فرنجية المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون بالإعلان عن نتائج تحقيقاتها الماضية. وقال: «هل تجرؤ على اتهام بعض المحسوبين على بعض القوى السياسية؟ او ان اختصاصها فئات معينة وضرب الحريات واقامة الدعاوى العقيمة ومن بينها التي ادت الى موت مكتف وتحويل الدولة الى دولة بوليسية. لست انت المشكلة بل من يقف خلفك». بدورها أوضحت «الجبهة السيادية» أنه «قد سبق الادعاء على الدكتور سمير جعجع حملة إعلامية وشهادات مفبركة تؤكد وجود نظام أمني لبناني إيراني يستهدف الأحرار في لبنان»، واصفة الإدعاء بأنه «هجوم ايراني منظم على المعارضة اللبنانية، مناشدة السلطة القضائية المتمثلة بمجلس القضاء الأعلى، لوضع حد لتمادي القضاة الذين يقومون بالتعدي على الحقوق والحريات. ولفتت الى ان «حزب الله بنى في قلب الدولة، منظومة إعلامية أمنية قضائية، يستعملها عند الحاجة لتركيب ملفات بحق خصومه عن طريق نشر مقالات تتحول الى تحقيقات أمنية وإدعاءات قضائية».