لا نقول هذا الكلام فقط لمجرّد الكلام، بل ان هذا النقد جاء عند متابعتي لمحاكمة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب وخصوصاً التشابه بينه وبين الرئيس السابق بيل كلينتون حين أقيمت ضدّه دعوى قضائية بتهمة التحرّش الجنسي.
أنا هنا لا أدافع، ولا أهاجم القضاء.. وليس عندي أي شيء ضدّه، ولكن ما لفتني عند متابعتي لمحاكمة الرئيس دونالد ترامب بتهم تجاوزت الـ34 قضية مرفوعة ضدّه. فلا بد من أن تكون كل هذه القضايا غير آتية دفعة واحدة… والسؤال الأوّل: لماذا لم تُقَسّط؟ وهل فعلاً هذا الرئيس ارتكب 34 جُرْماً في وقت واحد؟
بالعودة الى محاكمة الرئيس السابق بيل كلينتون بسبب فضيحة لوينسكي، فهي الفضيحة الجنسية السياسية الاميركية التي طالت الرئيس الثاني والأربعين للولايات المتحدة بيل كلينتون البالغ يومذاك 49 عاماً، والمتدربة في البيت الابيض مونيكا لوينسكي (كان عمرها 22 عاماً)، وقد حدثت هذه العلاقة الجنسية بين عامي 1995 و1996، وظهرت للعلن عام 1998. وقد ألقى كلينتون آنذاك خطاباً متلفزاً ختمه بقوله بأنه لم يقم علاقة مع مونيكا.. وأجريت تحقيقات إضافية أدّت الى اتهام كلينتون بأنه أقسم يميناً كاذباً فعزل كلينتون عام 1998 من قبل مجلس النواب الأميركي، كما اتهم بعرقلة سير العدالة في محاكمة استمرّت 21 يوماً في مجلس الشيوخ الاميركي.
احتجز كلينتون في قضية ازدراء المحكمة من قِبل القاضي سوزان ويبر رايت لإدلائه بشهادة مضلّلة في قضية بولا جونز بخصوص لوينسكي، كما تمّ تغريمه 90 ألف دولار من قِبل رايت، وتعليق رخصته القانونية لممارسة المحاماة في أركنساس لمدة خمس سنوات.
إشارة الى انه وخلال فترة ولاية كلينتون الأولى عام 1995 تمّ تعيين مونيكا -وهي خريجة كلية لويس وكلارك- للعمل كمتدربة في البيت الابيض، وتمّ توظيفها لاحقاً في مكتب الشؤون التشريعية بالبيت الابيض.
بدأ كلينتون علاقة شخصية معها وهي تعمل في البيت الابيض، وقد شاركت تفاصيل العلاقة مع ليندا تريب، وهي زميلتها في وزارة الدفاع والتي سجلت المحادثات الهاتفية بينهما سرّاً.
وفي كانون الثاني (يناير) عام 1998، اكتشفت تريب أنّ مونيكا أدلت بقسمها في شهادة خطية في قضية بولا جونز، ونفت وجود علاقة بينها وبين كلينتون. سلمت تريب الأشرطة الى كين ستار، المستشار المستقل الذي كان يحقق مع كلينتون بما في ذلك فضيحة «وايت ووتر»… هذا وقد اختار كلينتون كلماته بعناية خلال شهادته أمام هيئة المحلفين…
لقد تأكد تورّط بيل كلينتون بعلاقة حميمة مع مونيكا لوينسكي… لكن زواج بيل وهيلاري كلينتون نجا يومذاك من تلك الفضيحة.
اما في قضية الرئيس دونالد ترامب، فإنه في اليوم الأول للمحاكمة الجنائية التاريخية الأولى من نوعها ضد رئيس أميركي سابق، انتهت يوم الاثنين الماضي من دون اختيار أي شخص ليكون ضمن هيئة المحلفين المكوّنة من 12 شخصاً وستة بدلاء، واستبعد القاضي خوان ميرشان العشرات من الاشخاص بعدما أفادوا بأنهم لا يعتقدون انهم يمكن أن يكونوا عادلين بالنسبة لادعاء الممثلة دانياليز ومحاميه السابق مايكل كوهين الذي انقلب على ترامب وصار شاهداً رئيسياً في المحاكمة. وبموجب أمر خطي أصدره ميرشان سابقاً تمنع ترامب من الادلاء بأقواله.
كذلك هناك قصة الناشر السابق لصحيفة «ناشيونال انكوايرير» ديفيد بيكر والذي نشر قصصاً لتعزيز حملة على ترامب عام 2016 وعارضة الازياء السابقة في مجلة «بلاي بوي» كارين ماكدوغال التي يزعم انها تلقت أموالاً من «ناشيونال انكوايرير» مقابل التزام الصمت حيال علاقتها المزعومة مع ترامب، طبعاً الرئيس ترامب ينفي كل ذلك.
فإذا كان كل هذا يحدث في أعظم دولة في العالم، ومع أهم رؤساء في تاريخ أميركا، ولم يستطع القضاء أن يفعل شيئاً… فليس مستغرباً أن يحدث في أي مكان خارج أميركا!.. لكن الأهم ان القضايا المرفوعة ضد الرئيسين هناك متشابهة إذ ان الدعوتين مرفوعتان حول موضوع واحد هو: علاقات جنسية مع مشاهير.
السؤال الذي يطرح نفسه بعد الذي جرى في أميركا ولم يستطع القضاء أن يفعل شيئاً، فكيف في بلد مثل لبنان؟
لذلك فإننا يجب أن لا نستغرب لماذا لم يستطع القضاء الدولي أن يفعل شيئاً في قضية اغتيال شهيد لبنان رفيق الحريري خصوصاً ان الذين ارتكبوا الجريمة معروفون ولكن السلطة لا تستطيع أن تجلبهم الى المحكمة، ولا حتى القضاء الدولي الذي أعلن بعد 4 سنوات تفاصيل عملية الاغتيال ولكنه عاجز أن يجلب المتهمين الى قفص العدالة.
وهناك أيضاً قضية مرفأ بيروت الذي فجّرته الطائرات الاسرائيلية بقنبلتين إحداهما تحمل صاروخاً نووياً صغيراً… وبالرغم من اعتراف إسرائيل بعد انتهاء عملية القصف والتنصّل بعدما أدركوا حجم الجريمة التي ارتكبوها سكتوا وطمست القضية.
وتبياناً للحقيقة، فإنّ الذي استورد باخرة النيترات معروف، وأنّ المخزن الذي خزّنت فيه المواد المتفجرة معروف، وهي كانت تُرسل الى سوريا لصناعة البراميل المتفجرة التي كانت تُرمى من طائرات الهليوكوبتر على الشعب السوري المسكين الذي كان يتظاهر مطالباً بالحرية والديموقراطية وانتخابات حرّة. فالنظام المجرم حوّل هؤلاء المساكين من الشعب المظلوم الى إرهابيين أولاً ثم اطلقوا عليهم اسم «داعش» كي يتبرّأوا من عمليات الإجرام التي مارسها النظام المجرم ضد شعبه.
في الختام، لا يوجد قضاء في العالم… بل الأمر متروك للقدر…