تحرص وزيرة العدل على تأكيد استقلاليتها الاستثنائية ضمن الحكومة “الديابية” وعلى التعبير عن تضامنها مع الثورة، ونحن نصدقها. أما وقد تعهدت عقب قداس مار مارون و”نشرة” المطران عبد الساتر للرؤساء وما يمثلون، أن تعمل بوحي عظته حرفياً، فنحن ننتظر الأفعال. ومع أنها ضليعة وقادرة على ملء مركزها، فإن بصمتها الحقوقية “السوربونية” العادلة لم تظهر بعد على الجسم القضائي ولو من باب التأثير المعنوي.
والوزيرة الدكتورة، في ما تقدم، لا تخالف كثيراً رئيس مجلس القضاء المشهود له بنزاهة لم تنسحب حتى الآن على البنية القضائية، ولا أشاعت مناخاً من الانتصار للعدالة والقيام بالواجب، بغضّ النظر عن مساعيه الحميدة لتشكيلات بلا مداخلات.
ولا جديد في القول إن القضاء يحتاج الى إصلاح جذري وليس نفضة عابرة. لكن إلحاح الوقت والتحديات الراهنة لا تتيح ترف التأني والاستمهال، إذ إن الممارسات القضائية تبدو حتى الآن، وفي عزّ أزمة نهب اللبنانيين، قاصرة عن القيام بأقل واجب، وهو الحفاظ على الحد الأدنى من العدالة لمصلحة كل الشعب، عبر سوق المرتكبين المشتبه فيهم الى التحقيق.
على عكس ذلك، تفيدنا توقيفات نحو ألف متظاهر واستدعاءات الناشطين المتكررة أمام الأجهزة وقضاة التحقيق، بأن هاجس القضاء وشغله الشاغل هو رفد القمع الأمني الممنهج بإجراءات قانونية تحمي النظام الفاسد من معارضيه.
ملاك علوية التي رفست مرافقاً بزيّ مدني مسلّحاً بكلاشنيكوف مدشنةً ثورة 17 تشرين، مدعوّة للتحقيق أمام المحكمة العسكرية، وهي محكمة يفترض أن تلغى لو أننا في نظام ديموقراطي فعلي. إبن 16 عاماً مدعو للمثول أمام المخابرات و11 ناشطاً من عكار مطلوبون للتحقيق. هذه أمثلة بسيطة من عشرات، وكأن السلطة القضائية مهمومة بكيفية معاقبة الثائرين أو ترهيبهم مساهمةً في إخماد “المواطنية” لدى الشعب اللبناني.
بدل المبادرة والتحرك التلقائي لإحقاق الحق، يستنكف القضاء عن القيام بواجبه في مطاردة الفاسدين واللصوص، وهو يحوّل الإخبارات الموجودة لديه الى الأدراج، ولم يجرؤ حتى اليوم على استجواب حرامية المصارف ولا حاكم المصرف المركزي، ولا المسؤولين عن مجالس الهدر ولا عن كارثة الكهرباء ولا أصحاب الشركات العقارية الوهمية ولا جماعة مغارة الهيئة العليا للاغاثة، وهو ممتنع عن التصدّي لمئات المخالفات المعروضة علناً أمام الإعلام ويجاهر بها كل الناس.
ليس القضاء مجرّد وظيفة حكومية فهو أولاً مسؤولية قانونية وأخلاقية، وتنبغي محاكمة كل قاض متخاذل لعدم ممارسته واجبه المقدس.
سئمنا مداراة للقضاء والأجهزة الأمنية. قَرِفنا من نغمة عدم التعرّض للهيبة. ها نحن ندلّ الى تقاعسكم، آسفين لقلّة عدد الأكفاء بينكم، ومستنكرين فقدانكم الشجاعة للقيام بالواجب وتمرجلكم على ضعفاء أو ثائرين، يريدون تكريس استقلالية هيئاتكم واستعادة كرامتكم وكرامة كل المواطنين.