Site icon IMLebanon

ارفعوا أيديكم… وارحموا القضاء

 

 

استبشرنا خيراً، يوم تم الاتفاق على تعيين مجلس القضاء الأعلى، وقلنا جاء الفرج بعد معاناة طويلة مع عملية التعيين، بوجود سلطة جائعة وجشعة، للحصول على كل شيء وعدم إعطاء أي شيء لأحد، حتى لو كان هناك إتفاق.

 

صحيح اننا من الذين على قناعة تامة أنّ لا ملجأ لنا ولا قيامة لبلدنا إلاّ بقدرة الله وبوجود قضاء عادل ونزيه وفاعل.

 

فنحن من المؤمنين بعدالة الله، دنيا وآخرة، ولاننا من ابناء المؤسسات في هذا الوطن، لا نزال نعول على القضاء لتحقيق العدالة على الأرض.

 

وبعد، فلقد فرحنا يوم تم تعيين أعضاء مجلس القضاء الأعلى، رغم ان البعض أوحى بأنّ رئيس هذا المجلس، القاضي سهيل عبود، هو «عوني»، وإلا لما كان وافق الرئيس ميشال عون على تعيينه، وكذلك الحال لآخرين في هذا المجلس. لكن من يعرف القاضي سهيل عبود قال إنه وإن كانت له توجهات او «ميول عونية»،  فهو قاض نزيه وموضوعي، يحترم نفسه ويحترم القسم ولا يقبل بغير العدالة.

 

اما عن النائب العام التمييزي، القاضي غسان عويدات فنحن نعرفه وخبرناه بعدما خبرنا والده الراحل الصديق القاضي المميز منيف عويدات ، ولهذا لم نجد حاجة للخوض في خلفيته مثلما فعلنا تجاه القاضي سهيل عبود، خصوصًا وأنهما قادا مجلس القضاء الاعلى بصمت ومهنية. كما اننا لن نخوض في خلفية باقي قضاة المجلس رغم وجود بعض الملاحظات، لأنهم عملوا كجسم متناسق. ولكن ينبغي تسجيل ان عمل هذا المجلس شابه بعض التغاضي عن تصرفات بعض القضاة العونيين، بما أوحى انه يحق لهذه الفئة من القضاة ما لا يحق لغيرهم.

 

بالأمس القريب نشر الإعلام المحلي ان القاضي بيتر جرمانوس تمرد، إذا جاز التعبير، على استدعاء التفتيش القضائي له وتعاطى مع  مجلس القضاء الأعلى بفوقية غير مقبولة، وتحدث عن الاستقالة بما يوحي بتمرد ويؤكد تلك الفوقية من دون ان يصدر اي قرار عن اي من هذين المرجعين القضائيين لرد الاعتبار على الاقل!

 

وبالأمس الأقرب تمردت النائب العام في جبل لبنان القاضي غادة عون على هذين المرجعين وتعمدت إبراز ذلك في الإعلام خلافًا لكل الأعراف القضائية، ويبدو انه اصبح لديها مفاتيح إعلامية خاصة بها، إضافة الى تلك التي وفرها لها التيار الوطني الحر  الذي نظم لها تظاهرة تأييد شارك فيها أحد مرافقيها الذي ظهر في الإعلام يقف خلفها عندما عقدت مؤتمرها الصحافي للحديث عن احد الملفات الذي أخرجته من الجارور، كما قالت، ثم شاهدنا ذلك المرافق وقد انضم الى تلك التظاهرة الهزيلة.

 

بالنتيجة لقد مارست القاضية عون على مجلس القضاء الأعلى، وعلى التفتيش القضائي، ما يصح وصفه بالتنمر والابتعاد عن الأعراف والعادات المعتمدة بين القاضي وتلك الهيئات، الى ان توّجت تجاوزاتها وتنمرها بتصريحات صحافية متكررة، ربما كان ابرزها تصريحها الصحافي تعليقاً على إعلان نية مجلس القضاء الأعلى في التشكيلات المقترحة نقلها من منصبها، فخرجت على الاعلام وصرحت انها وضعت استقالتها بتصرف رئيس الجمهورية!

 

لماذا رئيس الجمهورية؟ ربما لانها تعتقد انها من حصته، إذا جاز التعبير، فلا تعير غيره اي اهتمام، رغم ان الأصول تقضي بأن يقدم القاضي استقالته الى مجلس القضاء الأعلى الذي يتبع النصوص المرعية الإجراء فيقرر رفض او قبول الاستقالة وتبعاً لذلك يتخذ الخطوة التالية.

 

أما وضع استقالة القاضي بتصرف اي كان فهي بدعة غير موجودة في النصوص، وقد شكل اعتماد القاضية عون تلك الوسيلة إساءة بالغة، وربما مقصودة، لمجلس القضاء الأعلى وللتفتيش القضائي ولاستقلالية القضاء.

 

تجدر الإشارة الى ان احد القضاة الشباب انضم الى جبهة القاضية عون بمواجهة هاتين الهيئتين وبمواجهة نادي القضاة لكن الأخير يحمل ترخيصًا يتيح له التحدث باسم القضاة في حين ان فوقية القاضية عون وفائض القدرة والقوة لديها اتاحا لها ان تتجاوز نادي القضاة بعدما تجاوزت اعلى سلطتين قضائيتين في الجمهورية اللبنانية.

 

يبدو ان «كترة القيمة بتقلل الواجب»، مما يستوجب تطبيق القانون تجاه كل هذه التصرفات ونحن نجدد ثقتنا بالجسم القضائي وبمجلس القضاء الأعلى وبالتفتيش القضائي وبسعيه لفرض احترام أصول التخاطب واحترام الهرمية وتطبيق القانون.

 

الكلمة الاخيرة هي بالاحرى سؤال لكل من تسول له نفسه التدخل في شؤون القضاء ومحاولة الهيمنة عليه: ألا يكفي كل ما لوثته السياسة في الحياة اللبنانية، وما دمرته من قطاعات اقتصادية ومالية وإدارية واجتماعية…؟ وهل هناك نية بإسقاط آخر الحصون الحامية للعدالة في لبنان، لجعله بلداً مستباحاً، يضيع فيه الحق، وينتصر الباطل؟

 

ارحموا القضاء.. ارحموا لبنان.