السلطة القضائية هي الأداة الاساسية لدعم عملية الإصلاح والاتجاه نحو دولة شفافة قادرة على المحاسبة والمحاكمة وحفظ المال العام وتطبيق أُسس الشفافية والعدالة وحفظ الحقوق الاجتماعية.
انّ إقرار قانون الشفافية المطلقة واعتماده يُسهّل على القضاء القيام بمهماته ويوفّر الوقت اللازم لجمع المعلومات والتدقيق بها، كذلك يعطي للأحكام القضائية شرعية شعبية وفهماً، حيث يشعر المواطن أنّه شريك في تحليل المعطيات والمعلومات المتوافرة، بدلاً من ان يكون المسار موضوع تأويل وتفسير.
مطالبتنا الأساسية بإقرار قانون الشفافية والبيانات المفتوحة عبر القانون المقترح، والذي ينصّ، «على الإدارة أن تعتمد سياسة البيانات المفتوحة»، أي ان تجعل كل بياناتها الادارية مُتاحة للعموم عبر مواقعها الالكترونية (في المرحلة الاولى) أو على بوابة منفصلة للبيانات المفتوحة (في مرحلة لاحقة).
في بعض التجارب العالمية التي اعتمدت على ما يُعرف بـ«العدالة الالكترونية» من حيث فتح المعلومات، وفّرت العدالة الإلكترونية وقتاً ومبالغ مالية كثيرة كانت تُصرف في المسارات القضائية التقليدية، وبالتالي تمّ تعزيز فعالية الإجراءات وتحقيق العدالة في الوقت المناسب، وبالتالي تحقيق شفافية النظام القضائي، وزاد أيضاً من جودة العدالة. كذلك أتاح الوصول إلى مراقبة تقدّم الإجراءات وقواعد البيانات القانونية الجيدة النوعية وتوافر الإصدارات العامة من الأحكام فرصة للتوعية والتدقيق العامين، مما يعزّز مساءلة النظام القضائي بكامله. وقد خلق هذا تحولاً في توقعات الجمهور، ولا سيما منه الجيل الشاب.
المعروف انّ للقضاء وظائف تتجاوز الدور التقليدي لـ«طرف ثالث محايد» في حل النزاعات. فقد يكون تدخّله في النظام السياسي عميقًا، حيث يؤثر- في بعض الأحيان بطريقة معقّدة جدًا – على العلاقة بين الدولة والمواطنين، وكذلك العلاقات بين مختلف الجهات الفاعلة الاجتماعية. البحوث الحالية التي أُجريت من منظور العلوم السياسية والقانون، وثّقت مشاركة واسعة من القضاء في عملية تطوير السياسة العامة، في الاعتراف بالحقوق وحمايتها، وفي السيطرة على سلطات الدولة الأخرى. في هذا السياق، ونظراً لأهمية القضاء من الناحية السياسية والمؤسسية، تُعتبرالشفافية والوصول إلى إصلاحات المعلومات وفتح البيانات، تكون ذات صلة بسبب تأثيرها المحتمل على التشغيل الإداري والقضائي للهيئات القضائية نفسها. وبعبارة أخرى، يمكن أن يكون لإعتماد إصلاحات الشفافية تأثير إيجابي على قدرتها المؤسسية، ما يزيد من شرعيتها وسلطتها تجاه – اللاعبين السياسيين الآخرين، وعلاقاتهم مع المواطنين. ويساهم اعتماد الشفافية في المؤسسات كافة، من بين أمور أخرى، في توليد شروط لاستقلال قضائي أكبر.
من ناحية أخرى، فإنّ التشغيل المفتوح للأنظمة القضائية، على سبيل المثال، يولّد زيادة تدفق المعلومات من القضاء إلى المجتمع، وتمكين الجمهور لمعرفة أدائه، وتصبح المشاركة في العمليات والمناقشات ذات الصلة وحتى المشاركة بطرق مختلفة (مثل جلسات الاستماع العامة، وعمليات التشاور، وما إلى ذلك).
في اختصار، انّ قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة يُعتبر سلاحاً أساسياً للسلطة القضائية في لبنان، ويعزّز استقلاليتها بعيداً من التأثير والضغط السياسي، فيكون للقاضي فهم أكبر للقضايا التي يتسلّمها، كما تصبح أي عرقلة أو اخفاء معلومات غير موجودة.
انّ تحقيق الشفافية المطلقة سيساعد القضاء والاصلاح القضائي. وهناك عدد من الأمثلة التي تشكّل إخباراً مهماً، يمكن للقضاء التدخّل السريع فيها لو توافرت المعلومات المرتبطة بهذه القضايا.
ألن يصبح من الاسهل معرفة حقيقة المعلومات المتداولة عن إيرادات مؤسسات أساسية، مثل اللجنة المؤقتة لمرفأ بيروت وشركات الخلوي وغيرها؟ الن يتوقف الاتهام السياسي لعدد من القضاة لو توافرت البيانات المرتبطة ببعض القضايا؟ بل ألن يصبح للقاضي حماية شعبية لو قرّر التدخّل بناء على معطيات مرتبطة بتوافر البيانات؟
قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة هو سلاح في يد الجميع، والأهم هو سلاح فتّاك في يد القضاء نفسه، ليصبح القضاء نفسه ايضاً شفافاً ويعيد الثقة بالسلطة القضائية التي تُعتبر الاساس في بناء دولة عادلة شفافة وقادرة على المحاسبة الحقيقية.