تمرّ السنوات والأيام، وتتبدّل الحكومات والسياسات، وتتغيّر الرهانات والحسابات، والياس المر هو هو، لا يهزّه تفجير ولا يرهِبه تهديد.
حاوَلوا إغراءَه وفشلوا، جرَّبوا إسكاته ويئسوا، فجَّروه بسيارة مفخّخة بعشرات الكيلوغرامات مِن الـ”C4″ والـ”TNT”، وما تمكّنوا من قتله، لأنّهم حسبوا كلَّ تفصيل إلّا حساب العناية الإلهية.
لم يُستهدف الياس المر لأنّه سياسيّ عادي، وإنّما لأنه كان في موقعه نائباً لرئيس الحكومة ووزيراً للدفاع، وأوّل مَن حاربَ الإرهاب وسعى إلى تحصين لبنان أمنياً وسياسياً، وحمايةِ مشروع الدولة.
رافقتُ الياس المر على مدى 33 سنة، وما عرفتُه إلّا مقاتلاً في سبيل الحقّ، نصيراً للمظلوم، لا مهادناً ولا مساوماً. ولم يَزده التفجير إلّا قوّةً وإرادة وإيماناً بقناعاته، وعزماً على المضيّ في خياراته، مهما كان الثمن.
ما عهدتُه إلّا منتفِضاً على الظلم والظالمين، وسيفاً مصلتاً على الإرهاب والإرهابيين، شرساً في مكافحة الجريمة والمجرمين، عنيداً في دفاعه عن لبنان، كلِّ لبنان، واللبنانيين.
أرادوا شطبَه من الساحة المحلّية، فإذا به يعود من الساحة الدولية رئيساً لمؤسسة الإنتربول، وأكثر حماسةً واندفاعاً وطموحاً من أجل عالم أكثر أماناً.
أرادوا إخفاءَ صوته إلى الأبد، فإذا به يَصدح بـ “الجمهورية” ويَستقطب عشرات الإعلاميين ليَشهدوا على الحقيقة… لتبقى الجمهورية، جمهورية سيّدة.
لم أرَ في عيون الياس المر الخوفَ يوماً، ولم أسمع منه إلّا “دمي ليس أغلى من دماء مَن استشهدوا.. ومِش كتير يعطي الإنسان دمه لوطنه”.
يَعرف الياس المر مَن حاوَل إلغاءَه، ومن مهَّد لهذه الجريمة في الإعلام والغرَف السوداء. هم جبَناء ضعفاء، وهو لم يتوانَ عن مواجهتهم ومكاشفتهم.
12 تمّوز 2005 هو تاريخ أسود في سِجلّ المجرمين المزدحِم بالاغتيالات والتفجيرات في لبنان.
وأمّا تاريخ الياس المر فهو تاريخ الولادة وانبعاث الحياة، وبالتأكيد هو تاريخ لا يُنسى ولا يُمحى.