IMLebanon

22 تموز: اليوم الوطني للنسبية

منذ إقرار وثيقة الطائف وتعديل الدستور، أدخلت الطبقة السياسية المتسلطة على رقاب البلاد والعباد لبنان في حقبة طال أمدها 27 سنة، تفجرت فيها الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أوصلت فيها الدولة إلى الانهيار شبه الكامل لمؤسساتها على كل صعيد.

فالسلطة السياسية بكامل مكوّناتها تواطأت على الدستور والطائف، رافضة تنفيذ ما نص عليه من «إصلاحات»، بحسب المصطلحات التي كثر تردادها على ألسنة ممثلي تلك السلطة، لا بل عملت ضدها وبعكس روحيتها بدءاً من مقدمة الدستور الى المادتين 22 و95 منه المتعلقتين: بالإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية، وانتخاب مجلس نواب خارج القيد الطائفي.

وبعد تمديدين لولاية المجلس النيابي مع ما يشكلان من خرقٍ فاضحٍ للدستور، وضعت السلطة على جدول أعمالها البحث بمشروع قانون جديد للانتخابات النيابية.

ويتصدر سلّة مشاريع القوانين؛ القانون المختلط بين الأكثري والنسبي وقانون الستين، وهما مشروعان يشكلان وجهين لعملة واحدة، إذ من المستحيل أن تشرّع هذه الطبقة السياسية قانوناً انتخابياً ضد مصلحتها.

لقد سبق للحزب الشيوعي أن رفع شعار قانون انتخاب على أساس النسبية خارج القيد الطائفي وعلى أساس الدائرة الواحدة، وذلك حتى قبل أن تثبت الحركة الوطنية هذا المبدأ كمدخل حقيقي للإصلاح السياسي، وللأسف تخلّت عنه معظم مكوّنات الحركة الوطنية قولاً وفعلاً.

وبعد ما شهده لبنان من ويلات منذ اتفاق الطائف حتى اليوم، يعود الحزب الشيوعي ليجدد النضال من أجل تطبيق هذا الشعار الذي يساهم في إنقاذ الوطن من الحروب الأهلية التي تعصف به بسبب استفحال مفاعيل الطائفية.

ويعبّر الحزب عن قناعة راسخة لديه بأن التمثيل السياسي على قاعدة النسبية ولبنان دائرة واحدة وخارج القيد الطائفي هو حاجة وطنية لإنقاذ لبنان وإصلاح مؤسسات الدولة.

وإذا ما تمّ إقراره يساهم في دفع البلاد نحو حقبة جديدة تتسم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً كالآتي:

1- سياسياً: تبدأ عملية تكوين المؤسسات الدستورية والنخب السياسية التمثيلية وفق قواعد جديدة ومتدرجة، ما يشكل انعطافة فعلية نحو تجاوز مفاعيل الطائفية السياسية وما تنتجه من أزمات متفجرة ومدمرة للكيان ووحدة الشعب والأرض والمؤسسات، وبما يعزز تحصين سيادة لبنان والولاء الوطني. إنه فعل بناء للدولة المدنية الديموقراطية على أنقاض الدولة الطائفية ونظامها القائم على المحاصصة في السلطتين التنفيذية والتشريعية والذي يشكل أساس الفساد والإفساد والسمسرات والهدر والضرب عرض الحائط بمعايير الكفاءة والجدارة والنزاهة. لقد أصبحت هذه الظاهرات تعشّش وتنمو في كل المؤسسات الرسمية في الإدارة والقضاء والأجهزة الأمنية ولا من يراقب أو يحاسب.

2- اقتصادياً: يتيح تطبيق هذا التمثيل كسر احتكار الطغمة المالية وممثليها في المجلس النيابي (وهم كثر) في رسم وتنفيذ السياسات المالية والنقدية والاقتصادية القائمة على تعزيز الريوع (…).

3- اجتماعياً: يتيح الإضعاف التدريجي لعوامل وآثار الولاءات الأولية، الطائفية والمذهبية والعشائرية والعائلية، وفي مقابل ذلك، يعزز الانتماء الوطني والمواطنية القائمة على المساواة والعدالة والحرية والديموقراطية، كما يعزز توحيد المتضررين على أساس مصالحهم الاجتماعية ومطالبهم المحقة.

إن اختيار قانون انتخابي يجسد عملية إصلاحية سياسية وطنية واجتماعية تعني الشعب اللبناني بأسره وتحاول السلطة اليوم الاستفراد في بحثه وإقراره لإعادة إنتاج نفسها من جديد.

نعم، يدعو الحزب الشيوعي بإلحاح إلى اعتماد قانون انتخابات عصري على قاعدة النسبية وخارج القيد الطائفي ولبنان دائرة واحدة، وذلك بهدف تجاوز الطائفية السياسية وتوليد وعي وطني وسلوك ديموقراطي لدى اللبنانيين، فالنسبية في بعدها الإجرائي تبدد هواجس ومخاوف اللبنانيين جميعاً من «فزاعة الأقليات» التي يستغلها أهل السلطة السياسية للإمعان في تكريس الطائفية في النظام والمجتمع وتأبيد سيطرتهم ونهب حقوقهم.

إن يوم 22 تموز عند الخامسة من بعد الظهر في ساحة رياض الصلح، هو يوم وطني للنسبية. يوم للمطالبة بالإصلاح السياسي وللتمسك بالنسبية التي نريدها خارج القيد الطائفي والدائرة الواحدة.

إننا ندعو كل القوى الوطنية والديموقراطية واليسارية والعلمانية والتقدمية ومعها الاتحادات والتيارات واللقاءات النقابية والشعبية والهيئات النسائية والشبابية وأصحاب المبادرات والحملات في الحراك النقابي والشعبي وفي الحراك البلدي وسائر الشخصيات السياسية والثقافية والإعلامية والفنية، للمشاركة في هذا اليوم من أجل أن تقول كلمتها وتعرض مواقفها وتتفاعل بعضها مع بعض وأمام الرأي العام في آلية عمل شفافة تستفيد من ثغرات تجارب الحراكات السابقة لتبني قيادة موحدة وميزان قوى جديد يفرض على السلطة التراجع وتحقيق مطالبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

(&) الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني