IMLebanon

حرب تموز.. عشرة أعوام إلى الوراء!

في الذكرى العاشرة لحرب تموز الأليمة، تعود الذاكرة إلى أيام دموية ونتائج كارثية هدّمت قرى بكاملها وضربت البنية التحتية وشرّدت وهجّرت مئات الآلاف وروت أرض الوطن بدماء آلاف الشهداء، وقلبت بين ليلة وضحاها صيف لبنان الواعد بالسياحة والمشاريع إلى صيف حار قاحل ومشؤوم. إلا أن الصورة لا تنتهي هنا، بل تكمل إلى وراء الكواليس، حيث انقسم اللبنانيون عموماً والسياسيون خصوصاً، في ذلك الوقت، بين مؤيّد لمغامرة «حزب الله» ومعارض لها، إلا أن الدعم المطلق لأهلنا في الجنوب وسائر المناطق في مواجهة العدوان كان العنوان الأكبر الجامع، فاختفت الحواجز الطائفية وتقاربت المواقف بين اللبنانيين وفتحت البيوت على مساحة الوطن لاستقبال إخوتهم الوافدين من مناطق القصف الإسرائيلي الهمجي، وتجاوزت الدولة المنقسمة على نفسها كيدياتها وجندت طاقاتها البشرية والمادية لمواجهة العدوان الإسرائيلي وتحصين الجبهة الداخلية حتى تمرّ الأزمة بأقل أضرار سياسية ممكنة. أما العلاقات الدبلوماسية، فكانت بيضة القبان التي أقامت التوازن مع الحروب التدميرية التي شنتها إسرائيل في ذلك الصيف المشؤوم وحاولت أن تعمّق الشرخ الداخلي وتحويله إلى حرب أهلية لتقضي في ضربة واحدة على الخطر العسكري والاقتصادي الذي يمثله لبنان!

إن التعاطف العربي مع الوطن الصغير والمساعدات السخيّة التي انهالت عليه من كل حدب وصوب مكنته من إعادة إعمار البنى التحتية المدمرة والقرى المهدمة بسرعة قياسية، وإعادة الأهالي إلى بيوتهم وأرزاقهم، ومسحت ندوب الحرب المادية، أما الجراح النفسية فكانت أعمق من أن تبلسمها تعويضات مالية من هنا أو هناك.

لقد أثبتت التجارب، إذا ما أردنا القراءة في دروسها، أننا تراجعنا عقوداً وليس سنين إلى الوراء، فنحن اليوم، وبعد انقضاء عشرة أعوام، حققنا ما عجز العدو الإسرائيلي عن تحقيقه حينها… فأفرغنا الدولة من مضمونها وعطلنا سلطاتها التشريعية والتنفيذية وتركنا رأس الهرم، أي الرئاسة شاغرة في سابقة أقل ما يقال عنها أنها غاية في الخطورة لأن الرسالة من ورائها أن فريقاً دون آخر قادر على فرض رأيه والتحكم بمصير الدولة ومؤسساتها، وإما أن يخضع الآخرون له أو يكون التعطيل والشلل الكامل هو البديل، ولو دفع هذا الواقع بلبنان ليصبح دولة فاشلة أمام المجتمع الدولي!

أما بعد، لقد قطعنا أوصال علاقاتنا الدبلوماسية مع العالم العربي وهجّرنا المستثمرين وقتلنا ما تبقى من سياحة بأيدينا، حتى يكتمل عزل لبنان وسلخه عن امتداده الطبيعي العربي، ورميه بأحضان أجندات هجينة ليتحوّل إلى ورقة ضغط وساحة تصفية حسابات لا أكثر.

إضافة على ما سلف، كانت الضربة القاضية لاقتصادنا بأيدينا، عبر إقحام لبنان بحروب المنطقة، وضمّه إلى لائحة البلاد الخطرة والحاضنة للإرهاب، حتى وصلت المحاولات الأخيرة لإقحام النظام المصرفي، وهو القطاع الوحيد الذي يُشكّل الرافعة للاقتصاد الوطني الواقف اليوم على شفير الهاوية.

أين نحن من تموز 2006؟ حينها كنا نعتقد أننا نشهد أسوأ الأيام، فإذا بنا بعد عشرة أعوام نتساءل عن الدرك الذي وصلنا إليه وعما إذا كانت تخبئ لنا الأيام أسوأ بعد؟! لقد تلوث هواؤنا ولقمة عيشنا ونهبت خيرات الوطن، وعمّ الفساد وقطعت قنوات الإمداد الخارجية وتركنا وحدنا في مهب عاصفة اقتصادية غير مسبوقة من دون وجود طوق نجاة واحد، وباتت الدولة بمؤسساتها على كف عفريت… فهل مِن أسوأ؟

لقد نجونا من حرب تدميرية عدوها واحد ومعروف، فهل ننجو من حرب محطمة للذات حيث نحن أعداء أنفسنا؟!