على وقع الضغوطات الدولية والاحتقان الداخلي، إنعقد اللقاء الوطني في بعبدا بمن حضر. وحده “اللقاء الديموقراطي” ممثلاً برئيسه النائب تيمور جنبلاط غرد خارج سرب المعارضة وجالس أركان السلطة التنفيذية طاولتهم المستديرة، فيما فضل الآخرون، من رؤساء حكومات سابقين ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع المقاطعة بسبب عدم قدرة اللقاء على الانتاج، ورفض تعويم الاجتماع، ومن خلفه العهد وحكومة حسان دياب.
عملياً، لا يمكن الفصل بين مشهدية الطاولة المستديرة التي تلتئم في أصعب الظروف التي يمر بها لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية، وبين الوتيرة التصاعدية التي تسلكها المواقف الدولية والعربية تجاه لبنان واضعة اياه على مفترق طريق. ولذا يعتبر موالون أنّ غياب البعض عن طاولة بعبدا قد يكون تماهياً مقصوداً مع التضييق الدولي الآخذ في الاشتداد.
إلا أنّ ذلك لم يمنع “الحزب التقدمي” من السباحة عكس تيار “رفاق” الصف المعارض، ليطرق أبواب بعبدا ويقدم جردته ومعالجته للأزمة، على طريقته، بمعزل عن الحجج التي قدمها الآخرون تبريراً لمقاطعتهم.
يقول الاشتراكيون إنّ رئيس الحزب وليد جنبلاط يمدّ يده للحوار، من خلال فتح الأبواب الموصدة، في مختلف الاتجاهات، سواء مع رئيس الجمهورية ميشال عون الذي سبق والتقاه وجهاً لوجه، أو مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ومع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري أو رئيس “الحزب الديموقراطي اللبناني” طلال ارسلان. في اعتبارات الزعيم الدرزي، المرحلة تتسم بالخطورة ولذا لا يمكن التعامل معها بمنطق التجاهل أو وضع العصي في الدواليب أو صمّ الآذان.
وعليه، انسجاماً منه مع مبدأ الحوار كان لا بدّ من مواجهة أركان السلطة بما لدى الحزب من ملاحظات وأفكار وطروحات لا بدّ من مناقشتها بصوت عال قبل فوات الآوان، تكريساً لمنطق الحوار بمعزل عن التوقعات المرتقبة من الاجتماع. ولذا ذكر الحزب في مطالعته بالتجارب الحوارية السابقة وتحديداً في ما خصّ الاستراتيجية الدفاعية.
لم يكترث الاشتراكيون كثيراً للحجج التي ساقها المعارضون الآخرون حول رفض تعويم الحكومة والعهد من خلال انجاح لقاء بعبدا، لا بل يعتبرون أنّ قول الأمور كما هي ومواجهة الحكومة التي يدأب رئيسها على تحميل الطبقة السياسية مسؤولية الخراب الحاصل، بالحقائق والوقائع المرفقة باقتراحات للمعالجة، هي خطوة ضرورية في هذا الظرف لاعادة الأمور الى نصابها السليم.
ويؤكدون أن ما قام به “اللقاء الديموقراطي” ليس من باب المسايرة أو التعويم، لا بل قدم تيمور جنبلاط جردة متكاملة لكل اخفاقات الأشهر الأخيرة، وبالتالي هي ادانة واضحة لسياسات الحكومة والتردد والكيدية وسوء الآليات والخطط التي وضعت، بهدف نقض مسلسل الاتهامات التي يسوقها رئيس الحكومة في كل مرة يقف فيها على المنبر.
عملياً، يرى الاشتراكيون أنه كان لا بدّ من “مواجهة التركيبة الحكومية والقوى الداعمة لها بحقيقة دامغة وهي: إنكم تحملون المعارضة مسؤولية الويلات التي تصيب البلاد، وها أنتم تستدعون هذه القوى للوقوف عند رأيها ولكون وجودها الى جانبكم صار حاجة لكم. وبالتالي لا بدّ أن تسمعوا رأي هذا الفريق بوضوح وبلا قفازات، لأن الظروف لا تحتمل أي مجاملة في الرأي”.
ولذا يعتبر الاشتراكيون أنه كان أجدى بكل أطياف المعارضة أن تشارك في تلك الطاولة لتسمع الموالين رأيها بوضوح. كان من الممكن أخذ النقاشات إلى مطارح أخرى تظهّر حقيقة موقف هذه القوى وتوثق تلك المحاضر التي سيذكرها التاريخ في يوم من الأيام، من دون تحويل اللقاء الى فرصة لتعويم الحكومة أو تبني توجهاتها أو توجهات العهد، بدليل مغادرة تيمور جنبلاط اللقاء قبيل تلاوة بيان معدّ سلفاً…
وجاء في المذكرة التي تلاها جنبلاط: “لقد وضعنا تصوراتنا للإنقاذ في وثيقة سياسية اقتصادية اجتماعية معيشية فيها رؤيتنا للمبادئ الاساسية التي من الضروري التركيز عليها، ومنها الحفاظ على اتفاق الطائف وعروبة ووحدة لبنان ضد كل المحاولات الداخلية والخارجية لتقسيمه. ومن الضروري أيضاً التركيز على المعالجات الاجتماعية والاقتصادية التي تؤمّن العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة”.
وذكّرت بضرورة “التأكيد على التمسك بوثيقة الوفاق الوطني (إتفاق الطائف) التي ترقى إلى مستوى التفاهم الميثاقي بين اللبنانيين، الذي قد يشكل تجاوزه توليد مخاطر ومغامرات غير محسوبة، المباشرة بتطبيق البنود غير المطبقة من الإتفاق وفي طليعتها: إنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وانتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي وتشكيل مجلس الشيوخ، رفض كل الطروحات التقسيمية، إعـادة الاعتبـار لمقررات الحـوار الوطني الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري في 2 آذار 2006، التأكيد على رفض إعادة تجديد مقولة “تلازم المسارين” وهذه المرة من بوابة الاقتصاد، التأكيد على ضرورة صياغة سياسة إقتصادية جديدة تراعي مرتكزات العدالة الإجتماعية”.
واعتبرت أنّ “المقترحات المتداولة حول تطوير العلاقات الإقتصادية مع الصين جديرة بالدرس والمتابعة”، مشددة “على ضرورة وضع خطة إقتصادية ومالية ونقدية متكاملة تبنى على أرقام وحقائق واقعية وموحدة قابلة للتطبيق وصالحة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي والهيئات الدولية”، معتبرة “أنه لم يعد مقبولاً استمرار الخسائر الفادحة في قطاع الكهرباء والإصرار غير المبرر إقتصادياً أو هندسياً أو تقنياً على إقامة معمل سلعاتا الذي سيكبّد الخزينة مبالغ طائلة”.