كانت المرة الأخيرة التي تحدث فيها رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط عن الحكومة العتيدة، حين زار “صديقه في وقت الضيق”، رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة قبل أكثر من عشرة أيام. يومها رفض زعيم المختارة أن يفصح عما في جيبه من ورقة حكومية، أبقاها مستورة إلى حين نضوج الوضع وانقشاع الصورة.
قال من أمام مقرّ رئيس مجلس النواب إنّه “لا بدّ من حكومة، سمّوها كما شئتم، تعالج أوّلاً الوضع الاقتصادي وإعمار بيروت، وقبل كلّ شيء، حيث عجزت الحكومات السابقة، الإصلاح”، وأشار إلى أنّه “ليس لدي مرشّح لرئاسة الحكومة، وسأنسّق مع بري كالعادة في كلّ خطوة من الخطوات، لأنّ المطلوب اليوم التنسيق الكامل، والآن ليس وقت تسمية مرشح للرئاسة”، مكتفياً بتحديد وصف واحد للحكومة المنتظرة: حكومة طوارئ. نأى جنبلاط بنفسه عن مربع الوضوح متسلحاً بالغموض البناء لخشيته من دعسة ناقصة قد تسبق احتمال حصول تقاطع دولي لم يلتقط إشاراته بوضوح بعد، في وقت كانت الأضواء تسلّط من جديد على بيت الوسط، بوصف رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري الأكثر قابلية للعودة إلى السراي الحكومي.
في الواجهة، يقود الرئيس بري حملة “الحريري راجع” من خلال سلسلة اتصالات يجريها بنفسه ولقاءات استهلها في قصر بعبدا لمفاتحة رئيس الجمهورية ميشال عون بالموضوع قبل أن يلتقي رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في عين التينة. الهدف واضح: اقناع وزير الخارجية السابق بترياق حكومة تكنوسياسية برئاسة الحريري.
حتى الآن، لم تكتمل فرصة عودة رئيس “تيار المستقبل” إلى السراي. الغطاء الخارجي لم يتوفر بعد. والعقبة الداخلية لا تزال تكمن في الشراكة المسيحية على نحو أساسي. رئيس “التيار الوطني الحر” عند موقفه الممانع فيما رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع فعلها مرة جديدة وصوّب في اتجاه آخر. من قلب الديمان، قال جعجع منذ بضعة أيام “نحن ضد حكومة أقطاب أو حكومة وحدة وطنيّة بشكل كليّ وكامل على الرغم من تمسكنا بالوحدة الوطنيّة، ولكن موقفنا هذا يأتي انطلاقاً من أننا عاينا ورأينا ماذا أنجز هذا النوع من الحكومات في الأعوام الـ30 المنصرمة، وما نشهده اليوم هو نتاج هكذا حكومات أو ما شابه، وبالتالي لن نعود بعد هذه التجارب كلها لتكرار التجربة نفسها والعودة إلى نقطة الصفر”. قالها بالمواربة: فتشوا عن غير سعد الحريري.
أما جنبلاط الملتحف بالغموض، فينقل عنه “الاشتراكيون” أنّه لا يضع فيتو على اسم رئيس “تيار المستقبل”، حتى لو لم يعلن تبنيه بشكل رسمي، لأنّ ما يهمه هو جدول أعمال الحكومة لا أكثر. والباقي تفاصيل يمكن معالجتها… وإن كان هناك من يعتبر أنّ جنبلاط ينتظر الحريري ليقف على خاطره، قبل ضمان صوته في جلسة الثقة. يقول الاشتراكيون إنّ ما يشدد عليه رئيس الحزب هو عدم الوقوع مجدداً في مطب حكومات مجرّبة وأثبتت فشلها في قيادة المشروع الاصلاحي. فحكومة حسان دياب لم تقلّع فيما حكومة سعد الحريري الأخيرة وقعت في مطب خلافاتها. وفق الاشتراكيين، فإنّ الشارع لن يرضى أصلاً بالعودة إلى نماذج ما قبل 17 تشرين الأول ولو أنّ بعض القوى السياسية تتصرف وكأنّ شيئاً لم يحصل على الأرض ولا تزال مقتنعة أنّ بإمكانها تجاهل التسونامي الشعبي، ولو أنّ بعض مجموعات الحراك أظهرت في ما بعد أنّها مسيسة وموجّهة عن بُعد.
يضيفون: لذا لا بدّ من معالجة هذا العطب قبل البحث في تركيبة الحكومة. على القوى السياسية التوصل الى تفاهم متين يحدد برنامج الحكومة العتيدة قبل تشكيلها، ليكون برنامجاً مقتضباً مؤلفاً من عناوين محددة لكي تتمكن من قيادة سفينة الانقاذ. يشيرون إلى أنّ “مشاركة الحزب التقدمي ليست هدفاً بحدّ ذاته، واذا ما بقي الحزب في الخارج فلا يعني أبداً حجب الثقة أو عدم منح الحكومة فرصة، خصوصاً وأننا منحنا حكومة دياب فرصة كي تحاول، وبالتالي من البديهي أن نمدّ يد المساعدة للحكومة الجديدة اذا ما كانت متناسبة مع تطلعاتنا”.
وفق هؤلاء يفترض أن تكون مهمة الحكومة كالآتي:
– البرنامج الاصلاحي لا سيما في ما يتعلق ببندين مهمين: قطاع الكهرباء والتدقيق الحسابي، بالتوازي مع العمل على تحسين القطاع المصرفي والوضع النقدي.
– التحضير لانتخابات نيابية مبكرة من دون أن يعني ذلك اجراء هذه الانتخابات خلال شهر أو شهرين ولكن من الممكن تأجيلها إلى بعد سنة، ولكن من الضروري محاكاة التغيير الحاصل في الشارع وتنفيس الاحتقان الحاصل من خلال السماح للقوى الجديدة بدخول المجلس النيابي اذا ما نجحت في عبور معمودية صناديق الاقتراع والتعبير عن رأيها من داخل المؤسسات الدستورية.
– اعادة هيكلة القطاع العام.