يُطبّق رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط سياسة واقعية، فهو لا يرى إمكان قلب المعادلات والتوازنات القائمة حالياً، لذلك لا يزال مع فكرة إعطاء حكومة الرئيس حسان دياب فرصة.
ينطلق جنبلاط في نظرته هذه إلى الواقع اللبناني من منظار محلّي وآخر إقليمي ودولي، ويقرأ في خفايا معركة إدلب، التي هي كناية عن لعبة دول كبرى، عامل توتّر جديداً على سياسة المنطقة وجعلت الكل يتصادم مع الكل.
والأهم من هذا، أن الكباش الأميركي – الإيراني ما زال قائماً، ولم يوقّع أيّ من الطرفين على ورقة الإستسلام، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب ماضٍ في سياسة فرض العقوبات على النظام الإيراني ومحاولة تركيعه اقتصادياً و”قصقصة” أذرعته في المنطقة وعلى رأسهم “حزب الله”، بينما إيران تمضي في سياسة المكابرة وكسب الوقت من أجل الذهاب إلى طاولة المفاوضات غير مستسلمة أو مُجرّدة من أوراق القوة التي تمتلكها في لبنان والعراق واليمن وسوريا.
وأمام هذا الستاتيكو القائم في المنطقة والوقت الضائع، ما زال جنبلاط يطمح إلى تحييد الساحة اللبنانية وعدم الدخول في صدام مباشر مع “حزب الله”، وقد قالها رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع صراحةً وأكّد أن ما يمنع تأليف جبهة معارضة هو عدم رغبة كل من الحزب “التقدمي الإشتراكي” وتيار “المستقبل” بالإصطدام بـ”حزب الله”.
ولعلّ هذا الأمر يفسّر تغريدة جنبلاط التي أطلقها بالأمس وقال فيها: “في ظل هذه الأزمات الهائلة المتمثلة بالكورونا والكهرباء واليوروبوندز لا بد من وضع دعم الحكومة فوق الإعتبارات الضيقة لأنه إذا حل الفراغ مجدداً سقطنا جميعاً في المجهول، ففي الكورونا يجب تسكير كل معابر الموت البرية والبحرية والجوية، ووضع كل الإمكانات للمراقبة وتوزيع أماكن الحجر تسهيلاً للعلاج”.
كل تلك الأمور تدفع “الإشتراكي” إلى العقلانية والتفكير ملياً بما قد يحصل في المستقبل، فأقصى تمنيات جنبلاط هو سقوط عهد الرئيس ميشال عون، لكن التوازنات الداخلية والخارجية لا تسمح بهكذا أمر، وما ينطبق على مسألة إسقاط رئيس الجمهورية ينطبق على حكومة دياب، فإسقاطها الآن يُدخل البلاد في المجهول حسب النظرة “الإشتراكيّة”، ومن الصعب تأليف حكومة جديدة في ظل التوازنات الموجودة على الساحة، كما أن إبقاء البلاد في مرمى الفراغ سيُصعّب المهمّة أكثر ويُسرّع عملية الإنهيار.
لا شكّ أن جنبلاط يريد عودة الرئيس سعد الحريري إلى سدّة المسؤولية وترؤس حكومة جديدة، لكن هذا الأمر دونه محاذير عدّة أبرزها أن الحريري يضع شروطاً لعودته إلى السراي الكبير، ولن يدخل في مواجهة مع الجمهور المنتفض، ولن يرضى بالعودة وفق شروط “حزب الله” ورئيس “التيار الوطني الحرّ” الوزير السابق جبران باسيل، وبالتالي فإن البديل عن حسان دياب غائب حالياً، وفرص وصول السفير نواف سلام الذي سماه “اللقاء الديموقراطي” في الإستشارات النيابية الملزمة معدومة في ظل رفض “حزب الله”.
ومن هذا المنطلق، يرى “الإشتراكي” أن الوقت الآن ليس لخلق اصطفافات جديدة أو العودة إلى سياسة المحاور وتقاذف الإتهامات وتسجيل النقاط، بل إن الأولويّة هي لوضع خطة إنقاذ إقتصادية حقيقية، والمباشرة بتنفيذها لأن الوضع ينحدر بسرعة نحو القعر، ولا يملك المسؤولون “ترف الوقت”، ولعلّ استحقاق اليوروبوندز هو من أكبر الإستحقاقات التي تواجهها الحكومة.
هذا الموضوع الضاغط تضاف إليه كارثة تفشّي الكورونا، يجعل “الإشتراكي” يُفكّر بكيفية مواجهة الصعوبات لا تسجيل النقاط الداخلية، إذ إنه يعتبر أن نجاح الحكومة في معالجة هذه الملفات لا يشكّل نجاحاً لدياب وحده بل إنقاذاً للبلد من الغرق والعواصف الإقتصادية والمالية والصحيّة التي تعصف بها.
لم يقطع جنبلاط علاقته مع أحد بعد ثورة “17 تشرين”، إذ إنه يعتبر أن صديقه الرئيس نبيه بري ضمانة وأنه لا غنى عن الحريري، وبالتالي فإن إبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع الجميع هو السبيل للخلاص من هذه الأزمة التي تتطلّب تضافر جهود الجميع.