IMLebanon

جنبلاط متمسّك بـ”قشة” المبادرة… ومقتنع بفرصتها الذهبية

 

وحده رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، خالف الجميع بسرده للوقائع، وخرج ليقول: رئيس مجلس النواب نبيه بري أكد لي انّ هناك ضغطاً عليه بالنسبة لإبقاء وزارة المال مع الطائفة الشيعيّة”. تبنى الرجل كلام صديقه العتيق في إلقاء مسؤولية التعطيل على الشريك الشيعي الآخر، أي “حزب الله” ومن خلفه طهران. اذاً، فتّشوا بنظره، عن العقدة الحكومية خارج الحدود. ساوى بين ايران والولايات المتحدة، وقال إنّ الادارتين لا تشجعان على التأليف، لكنه مع ذلك وقف في صفّ المبادرة الفرنسية.

 

حصل الاتصال الذي جمع بري وجنبلاط حين كان الأخير لا يزال في العاصمة الفرنسية يجري سلسلة لقاءات واتصالات مع المسؤولين الفرنسيين لتبيان الصورة وجلاء الغموض حيال المبادرة الفرنسية. كان لا بدّ من اقتفاء آثارها في أروقة الادارة الأميركية: إلى أي مدى تشجع واشنطن باريس على المضي في مسعاها؟ هل هي بصدد الدعم أم العرقلة؟ خصوصاً وأنّ وزارة الخزانة قررت في هذه اللحظات المصيرية الافراج عن رزمة عقوباتها.

 

ولكن طالما أنّ جنبلاط قرر السير بركب المبادرة الفرنسية لا بل حمايتها والعمل على رفع الألغام من أمامها، فهذا يعني أنّ الرجل تأكد تماماً أنّها فرصة متاحة، وليست سراباً يخشى الهرولة نحوه. لا بل يقول المطلعون على موقفه إنّ كل المؤشرات تثبت أنّ الإدارة الأميركية ليست بصدد وضع العصي في دواليب المبادرة الفرنسية لكنها في المقابل لن تكون عاملاً مسهلاً أو داعماً. لديها أجندتها، لكنها لن تمانع في قيام حكومة تلبي طموحاتها وشروطها. وهنا “شطارة” الفرنسيين في فرض حكومة من طبيعة مختلفة قادرة على خرق العزلة والاستفادة من الوقت المستقطع الذي يتيحه السباق إلى البيت الأبيض، ومن وجود فريق في الإدارة الأميركية يغلّب خيار الفرصة المتاحة أمام اللبنانيين على خيار الارتطام القاتل.

 

على هذا الأساس، حاول جنبلاط اقناع بري ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري بالتحرك قدماً إلى الأمام لدعم المبادرة الفرنسية وتسهيل تنفيذ مندرجاتها، كل من جهته. الأول مع “حزب الله” والثاني مع رؤساء الحكومات السابقين. لكنه لم يلق آذاناً صاغية لاقتناعه أنّ الأول يلقى ضغطاً من شريكه الشيعي والثاني من شركائه في نادي رؤساء الحكومات السابقين.

 

وهذا ما اضطر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للتدخل شخصياً وتحديداً مع الحريري، كما تفيد المعلومات لدفعه إلى اسقاط طرح المداورة وابقاء وزارة المال من الحصة الشيعية. هكذا، التقطت المبادرة أنفاسها واستعادت روحها مع تفعيل خطوط الاتصال والتواصل بين رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب والثنائي الشيعي. وحتى لو حلّت مسألة شيعية حقيبة المال، لكن النقطة المتعلقة بكيفية التسمية كما تسمية بقية الوزراء الشيعة، لا تقلّ أهمية وصعوبة وقد تكون عقدة جديدة تستدعي تدخلاً فرنسياً عاجلاً.

 

واذا ما انتهينا من هذا المحور، فإنّ الحصة المسيحية في تركيبة الحكومة لا تقلّ تعقيداً. عملياً مهّد رئيس الجمهورية ميشال عون لانخراطه في شراكة التسمية من خلال بيان الردّ الذي سطرته الرئاسة مذكرة بالصلاحية المعطاة لرئيس الجمهورية في هذا المجال، وللردّ على الحريري بأنّ رئيس الجمهورية ليس “باش كاتب” يستعان بقلمه لتوقيع المراسيم.

 

لكن هذا الانذار، لا يثير الخشية في نفوس المطلعين على موقف جنبلاط. يقول هؤلاء إنّ أي تعثر قد يواجه التأليف، سيدفع الرئيس الفرنسي إلى التدخل من جديد، وهو مستعد لفعلها من باب تسهيل ولادة الحكومة. وبنظرهم الفريق العوني لن يكون أكثر صعوبة في التعامل مع المبادرة، أو أكثر تصلباً، من الفريق الشيعي. وعليه تفاءلوا بالخير تجدوه.

 

في التغريدة الأخيرة له، قال جنبلاط: “آن الأوان لالتقاط ورقة الأمس والبناء عليها وتسهيل التشكيل بعيداً عن الحسابات الضيقة فكل دقيقة تمر ليست لصالح لبنان. لا تعطوا حكومة الوباء والكوارث الحالية مزيداً من الوقت”. ويفترض أن تكون تلك التغريدة مؤشراً واضحاً الى أنّ جنبلاط لن يسلك درب العرقلة الضيقة حين سيصل قطار التسميات إلى المحطة الدرزية.