تركت المواقف التي أطلقها رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط سلسلة تساؤلات على اعتبار أنه رفع منسوب تصعيده تجاه الرئيس سعد الحريري، وبدا من الصعوبة بمكان عودة الأمور إلى مجاريها كما كانت الحال في مرحلة سابقة من التحالف بين الطرفين. وبالتالي، ينقل عن مصادر سياسية عليمة بأن جنبلاط يعيش منذ فترة طويلة مرحلة غير مستقرّة على صعيد علاقته بالحريري، وذلك منذ الإنتخابات النيابية الأخيرة، بعدما حُجبت الأصوات السنّية في إقليم الخروب عن مرشحي الحزب التقدمي الإشتراكي باستثناء المحازبين، وصولاً إلى ما جرى حول الأوقاف الإسلامية في المنطقة، بحيث قُطعت الطريق من قبل تيار «المستقبل» على عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب بلال عبدالله، معترضين على تدخله، على الرغم من أنه نائب المنطقة وله دوره وحضوره في منطقته، وعلى مستوى الإقليم بشكل عام، فكان أن تمنى جنبلاط، كي لا تتفاقم الأمور، الإبتعاد عن هذه القضية، إضافة إلى أمور أخرى على الصعيد السياسي، وبمعنى أوضح منذ التسوية الرئاسية إلى اليوم، تعتبر الدائرة الضيقة المحيطة بزعيم المختارة، أن الرئيس الحريري هو من أوصلنا إلى هذه الكارثة بفعل الصفقة التي عقدها مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، لذلك، وكما يقال «القلوب مليانة» منذ ذاك الوقت، وليس هنالك من أي ودّ بين مناصري ومحازبي الطرفين أي مناصري الإشتراكي و»المستقبل»، وتغيب اللقاءات التنسيقية بين الطرفين في الإقليم والبقاع، وفي كل النشاطات الجامعية والطالبية.
وتكشف المصادر نفسها، بأن جنبلاط لم يكن يرغب بعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة في هذه الظروف، وهذا ما أزعج رئيس «التيار الأزرق»، واعتبره قطعاً للطريق عليه، بينما كانت أوساط رئيس الإشتراكي، تعتبر أنه يريد الحفاظ على الحريري وعدم إحراقه في ظل هذا العهد، لتعود الأمور اليوم إلى سابق عهدها، إذ تفاجأ سيد المختارة، كما ينقل عنه، بالمبادرة التي أطلقها الحريري لعودته إلى السراي، ومن ثم التصعيد السياسي الذي أطلقه تجاه جنبلاط في مقابلته المتلفزة الأخيرة، فكان الردّ قاسياً وقُطعت الخطوط بين بيت الوسط وكليمنصو.
وفي سياق آخر، فإن جنبلاط، وعلى مستوى تقييمه للمرحلة السابقة، ورسمه خارطة طريق لكل الملفات السياسية، كان صريحاً في سَرد الوقائع كما هي، ذاكراً الأخطاء التي حصلت، ومعترفاً بها، كما أنه لم يرحم أحد أبرز المقرّبين منه في الحزب التقدمي، والإتهامات التي سيقت بحقهم في الإعلام من خلال الإرتكابات التي قاموا بها، فكان أن قال:« لِيَقُل القضاء كلمته وليس لدي أي مشكلة».
فمن هنا، ينقل عن أوساطه، أن الزعيم الجنبلاطي لم يعد لديه أسراراً ليخبئها، أو مواقف «يَستحي» بها، بل تحدّث عن كل الأمور كما هي دون مواربة أو قفّازات، وعلى هذه الخلفية بات جلياً أن رئيس الحزب الإشتراكي، الذي شمل الجميع بسهامه، ولم يرحم أحداً، ليستثني صديقه ورفيقه الرئيس نبيه بري، إذ يقول أحد قياديي الإشتراكي بأنه ضمانة وطنية ورجل حكيم، وما يربطه بجنبلاط محطات تاريخية يعتزّ بها البيت الجنبلاطي.
ويبقى أخيرا،ً أن زعيم المختارة يدرك صعوبة المرحلة وخطورتها، وبما لديه من علاقات وقراءة سياسية يدرك أن ما يحصل اليوم يفوق قدرته وقدرة أي طرف سياسي داخلي، لأن لبنان أضحى في خضم لعبة الأمم وأراد أن يحفظ رأسه ويخرج عن كل هذه المشاريع بعدما اعترف بالأخطاء التي قام بها كما الآخرين، وعلى هذا الأساس يعمل على حفظ «طائفته» لتمرير هذه المرحلة، وبعدها يبنى على الشيء مقتضاه على صعيد التحالفات، وكيف سيكون مستقبل لبنان والمنطقة.