حسابات ورهانات خاطئة.. ام مجرد رسائل تحذيرية وتحفيزية ؟
هل دخل النائب السابق وليد جنبلاط في مغامرة جديدة نتيجة حسابات خاطئة؟ هل سيعيد على مسامع اللبنانيين الاقرار بوقوعه ضحية «لعبة الامم» التي جر من خلالها البلاد الى احداث السابع من ايار عام 2008؟ هل ما صدر منه من مواقف خلال الساعات القليلة الماضية تدل على وجود معلومات لديه حيال احداث مرتقبة وهو يحاول ملاقاتها في منتصف الطريق؟ ام انه جزء من الخطة المعدة سلفاً لاحداث هزة سياسية وامنية في البلاد تقلب «الطاولة» على الاغلبية الحاكمة؟ وما هو سر هجومه على الرئيس المكلف سعد الحريري؟ و«شو عدا ما بدا» لتحميله جزءاً من مسؤولية تعثر «الولادة» الحكومية؟ وهل في تركيزه على استقلالية حزب الله المالية ومؤسسة القرض الحسن «مشروع مشكل» مع الحزب ؟ ام ثمة اهداف اخرى؟ خصوصاً انه لم يتوان ايضاً عن نشر صور لما يقول انه عمليات تهريب ممنهجة الى سوريا، وما يحمله ذلك من ايحاءات «خبيثة»!
مصادر مطلعة على خلفيات مواقف جنبلاط، تشير الى انه قلق جدا من «الفراغ» الحاصل في البلاد ولديه مخاوف جدية من تطورات واحداث تخرج عن السيطرة في لحظة دولية واقليمية شديدة الخطورة في ظل محاولات الامبراطوريات الكبرى في المنطقة اعادة رسم حدود نفوذها السياسي، والامني، والجغرافي، على وقع تمدد «اسرائيلي» هو الاكثر خطورة منذ العام 48 بعدما باتت موجة التطبيع عالية جداً، والخشية ان تكون الساحة اللبنانية جزءاً من عملية تصفية الحسابات المباشرة بين القوى المتصارعة كما يحصل راهناً في العراق، واليمن، وهو يرى ان تمديد عمر الفراغ الحالي يصب في خدمة هذه الاهداف الشديدة الخطورة.
ووفقاً لتلك الاوساط، لا يرغب جنبلاط بفتح اي مواجهة مباشرة مع حزب الله، وليس في صدد التورط في أزمة شبيهة بسلاح اشارة المقاومة التي سبقت احداث الثامن من ايار عام 2008، وهو ابلغ الجميع في الداخل والخارج انه اختار في هذه المرحلة الجلوس على «التلة» بعيدا عن الازمات «الحارقة»، ولن يكون جزءا من اي عملية «انقلابية» تعيد الجبل الى مرحلة التوتر، لانه يدرك جيدا ان «اللعبة» هذه المرة اكبر من الحزب الاشتراكي ولا رغبة لديه في توريط الطائفة الدرزية في ما لا طاقة لها به.
ولهذا يقوم على طريقه بإيصال «رسائله» الى كل من يعنيهم الامر في الداخل والخارج، وخصوصا الاميركيين، بأن ما تقومون به ليس في مصلحتكم او مصلحة اصدقائكم في لبنان، بل يصب في مصلحة حزب الله وبيئته الحاضنة وهم الاقل تضرراً بالحصار الاقتصادي الذي يمارس على لبنان، وهو يعمد الى تقديم الادلة الحسية التي يعرفها الجميع، لكنهم يعمدون الى دفن «رؤوسهم» في الرمال، وهو عندما يتحدث علنا عن كيفية ادارة حزب الله لاقتصاده بعيداً عن اقتصاد الدولة اللبنانية، لا يعمد الى الوشاية بالحزب، بل يكرر بأسلوبه ما سبق وقاله علناً الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وهو لم يضف الكثير على معلومات الجمهور او السفارات في بيروت، لكنه يحاول اعلاء الصوت لافهام من يحاول الاستمرار في «لعبة» التذاكي، ان الامور لا يمكن ان تستمر على هذا المنوال لانه في نهاية المطاف سيكون حزب الله اقل الخاسرين بينما سيغرق الباقون بازمات لن يستطيعوا بعدها فعل شيء، لانه عندئذ ستكون الدولة قد انهارت، وهنا لا نتحدث عن الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي بل الانهيار الاجتماعي والأمني والسياسي، الذي سيؤدي الى انهيار دولة الطائف والكيان اللبناني الحالي المعرض للتمزق، وثمة خشية من وصاية دولية تحت عنوان «الدولة الفاشلة»، وهذا يعني الدخول في مواجهة داخلية حتمية، ستكون فيها الغلبة للاقوى، لكن مع ترجيح دخول البلاد في فوضى دموية لانتاج تسوية جديدة غير واضحة المعالم.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، يرغب جنبلاط في الحفاظ على وتيرة العلاقات القائمة راهناً مع حزب الله، وهو يحرص على ايصال «رسائل» للحزب بهذا الخصوص، لا يريد المواجهة او التصعيد، لكنه يعمد بين الفينة والاخرى الى رفع مستوى التصعيد الكلامي مع «حارة حريك» للتحفيز، وليس لخلق «خطوط تماس» ساخنة معها، ووفقا لتلك الاوساط، لا تنظر المختارة بعين الرضى عن وقوف الحزب متفرجا على التعثر الحكومي القائم، وترى انه لا يقوم بممارسة الضغوط المطلوبة لفكفكة بعض العقد غير «المستعصية»، وهو يأمل ان يؤدي رفع سقف الخطاب السياسي الى الضغط على الحزب للتحرك اقله على جبهة القصر الجمهوري لخلق مناخات «وسطية» تجعل الولادة الحكومية ممكنة، لان استمرار الفراغ لا يراه جنبلاط، الا وصفة خراب لن يستطيع احد الخروج منها سالماً، وان كانت الاضرار متفاوتة بين طرف وآخر، وهو لا يريد ان يكون لبنان جزءاً من ملف التفاوض الايراني – الاميركي.
وفي هذا السياق، يمكن فهم «الهجوم» الجنبلاطي « المباغت» على الحريري حكومياً، فجنبلاط يعتقد ان الرئيس المكلف يخوض مغامرة خاسرة من خلال الرهان على الوقت، ويعتقد جازماً ان فريقه السياسي غير قادر على تحقيق انجازات سياسية في ظل موازين القوى الراهنة، والمعركة مع العهد لن تكون مجدية لأن حزب الله لا يزال داعماً للرئيس، والتيار الوطني الحر، ولن يقبل هزيمته في هذه الفترة الحرجة اقليمياً، ولهذا يدعو جنبلاط الى «التواضع» في خوض المعركة وعدم تكبير «الحجر»، لان النتائج لن تكون جيدة والبلاد على ابواب استحقاقات دستورية خلال سنتين، وما يحصل الآن سيكون مقدمة لفراغ دستوري كبير في البلاد.
ولهذا يعتقد جنبلاط ان الفرصة الوحيدة المتاحة لوقف الانهيار، هي عدم الدخول في مغامرات غير محسوبة، وبالعودة الى المبادرة الفرنسية، وليس «التذاكي» عبر الاصرار على تشكيل وزارة «غالب ومغلوب»، لان البلاد لا يمكن ان تدار باختصاصيين لا «لون ولا نكهة» لهم، كما ان الرئاسة الاولى لن تقبل ان تعزل نفسها في نهاية العهد، واذا كان الحريري مضطر في النهاية الى التراجع، اذا كان يريد العودة الى السراي، فليحصل ذلك الان وقبل فوات الاوان، برأي جنبلاط، لان الامور ستزداد صعوبة مع مرور الوقت، وليس محسوما ان دخول بايدن الى البيت الابيض سيعني نهاية فترة الضغوط على لبنان، فلماذا الانتظار؟
في المقابل، ترى اوساط سياسية بارزة ان «طوباوية» جنبلاط مبالغ فيها بعض الشيء، والمشكلة انه لا يريد الاعتراف انه جزء من المشكلة في البلاد، واذا كانت نياته صافية من خلال الضغط على حزب الله اعلامياً، فعليه بذل المزيد من الجهد لاقناع الكثيرين بمن فيهم بيئة الحزب انه كذلك، خصوصاً ان القنوات الجانبية مع «حارة حريك» لا تزال فاعلة، ولا يحتاج الى اي تصعيد اعلامي، والمهم الان ان لا يكون رفعه «للصوت» جزء من حسابات خاطئة، ومحاولة لتقديم «اوراق اعتماد» عند بعض الخارج، لاننا سنكون امام اعادة مملة لرهانات مدمرة، ستنتهي بعد «خراب البصرة»، باعتراف بالوقوع في «فخ التوريط»!