استرعت الحركة الجنبلاطية المتجدّدة باتجاه التأكيد على التحالف مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، باهتمام بارز، إذ لأول مرة يكون الموقف الجنبلاطي بهذه الحدّة دفاعاً عن رئيس المجلس النيابي، مما يؤشّر الى أنهما يستعدّان لخوض المواجهات المرتقبة على مثلّث سياسي وإداري يتعلّق بداية، وفق المتابعين لمسار العلاقة بين الرجلين، حول الإنتخابات النيابية، ومن ثم الإنتخابات الرئاسية، بمعنى أن يكون موقفهما موحّداً مع حلفاء وأصدقاء تأهّباً لهذا الإستحقاق الأبرز.
أما على صعيد الإنتخابات النيابية، يُنقل وفق أجواء عليمة، بأن الرجلين يدركان مدى ما يتعرّضان له من حملات واستهدافات حول خروقات في الإنتخابات النيابية ستواجههما في أكثر من دائرة، من بيروت الى الجنوب وصولاً الجبل، وعلى هذه الخلفية، فإن التحالف بين الطرفين بات شبه محسوم، كما كانت الحال في الإنتخابات النيابية السابقة، ولا يُستبعد بأن يصار في الأسابيع المقبلة إلى عقد لقاءات لقيادتي الطرفين بغية التنسيق والتواصل بينهما، في وقت أن ثمة معلومات، بأن رئيس المجلس يعمل على إعادة العلاقة التحالفية الى سابق عهدها بين جنبلاط ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري، في ظل الخلافات والتباعد القائم بينهما حالياً، والذي وصل إلى حدّ القطيعة، بمعنى أن يكون الحريري ضمن التحالف الجنبلاطي مع بري على الصعيدين النيابي والرئاسي، لا سيما وأن معظم الدوائر تضم مرشحين وقواعد شعبية لهذا المثلّث.
ويرتقب أن تتبلور الصورة مع العودة القريبة للحريري من الخارج، وعندها يقوم بري بمسعاه، ومن الطبيعي أن جنبلاط لا يمانع في إعادة ربط هذه العلاقة مع حليفه القديم، وليس له مصلحة بأن يكون هناك قطيعة وخلافات، لا سيما في إقليم الخروب، حيث هناك تواجد كثيف للفريقين الإشتراكي و»المستقبل»، إضافة إلى ذلك أن مرشّح جنبلاط عن المقعد الدرزي الأوحد في بيروت يعوّل على دعم الصوت السنّي أي أصوات «المستقبل»، والأمر عينه ينسحب على البقاع الغربي وحاصبيا ومرجعيون.
من هنا، وبالعودة إلى موقف رئيس الحزب التقدمي الداعم لرئيس المجلس، والشاجب لكل ما يتناوله من حملات، فإنه يحمل أكثر من رسالة ولم يأتِ من عبث، خصوصاً وأن جنبلاط أيضاً، وبعد التباينات أو العتب من قبل بري على مسألة رفع الحصانات، فذلك، ومن خلال الموقف الجنبلاطي قد أعاد الوضع بينهما الى السكة الصحيحة لمواصلة التنسيق الإنتخابي، في وقت أن الشقّ الآخر يتمثّل برزمة تعيينات إدارية من الفئة الأولى، وثمة مواقع شاغرة تعود لطائفة الموحّدين الدروز، ما يعني أن بري سيعمل لصالح حليفه الجنبلاطي، أو يكون داعماً له خلال التعيينات المذكورة، وهذا ما سبق وأن حصل في محطات سابقة مماثلة.
ويبقى، أن هذا التحالف والتنسيق واستعادة روحية التحالف القديم بين الإشتراكي و»حركة أمل» يطرح تساؤلات حول موقف ودور حلفاء رئيس المجلس النيابي، لا سيما من الطرف الذي يشكّل خصومة سياسية لجنبلاط، أكان على صعيد الدرزي أو سواه، وكيف سيكون لذلك تأثيراته على مسار الإنتخابات النيابية أو حيال الملفات السياسية والإقتصادية المطروحة، ولكن سبق لبري ومن خلال حنكته، أن بقي على استراتيجية تحالفه مع ذاك الفريق، وفي الوقت عينه، لم يخرج عن جنبلاط، كما أن الأخير، وخلال حقبة 14 آذار وما تركته في تلك المرحلة من انقسامات بين معسكرين سياسيين، بقي على تحالفه ورئيس المجلس النيابي، وفي المحصلة فإن الأسابيع المقبلة ستبلور صورة ومشهدية الإنتخابات النيابية بعد أن يتوضّح ما نتج عن لقاءات ومشاورات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في الداخل والخارج، ولا سيما لقائه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.