IMLebanon

انتخابات إقليم الخروب: «الجماعة» حسمت وجنبلاط مربك و«الثوار» متفائلون

 

 

ليس كافياً إقفال باب الترشيحات لحسم مصير المقعدين السنيين في دائرة الشوف – عاليه. منذ سبعة عقود، يتحكم الجنبلاطيون بأحد المقعدين، فيما تحكم الحريريون بالآخر في العقدين الأخيرين. تشتت المستقبليين بعد عزوف رئيسهم، شتّت البعض وفتح شهية آخرين لوراثة مقعد المستقبل. لكن وحده فرز الأصوات يحدد مزاج إقليم الخروب الجديد

 

الإسفلت الأسود المحفّر وآثار الإطارات المشتعلة يقود إلى مفرق برجا على أوتوستراد الجنوب. لا تزال شعارات «ثوار برجا والإقليم» صامدة على الجدران، بالقرب من نقاط قطع الطرق التي شهدتها المنطقة، من تظاهرات «طلعت ريحتكم» عام 2015 إلى «انتفاضة 17 تشرين» عام 2019. منذ أشهر، انسحب «الثوار» إلى بيوتهم قبل أن يخرجوا مجدداً إلى نزالهم الجديد؛ ليس على طريق الجنوب هذه المرة، بل على طريق إقليم الخروب – المختارة – بيت الوسط – الرابية – معراب… وعائشة بكار.

 

لطالما كانت معركة المقعدين السنيين في إقليم الخروب استثنائية، سواء عندما كان قضاء الشوف دائرة انتخابية مستقلة، أو بعدما أُلحق بقضاء عاليه في قانون الانتخاب الحالي. عقب الاستقلال، طوّبت شحيم وبرجا والوردانية وجدرا وجاراتها، قرارها لكل من كمال جنبلاط وكميل شمعون. تنافس الزعيمان اللدودان على استمالة العائلات. أعطوهما خدمات ودعماً (لا سيما شمعون خلال رئاسته للجمهورية) حتى أدخلوهما إلى الدولة من أبواب الوظائف والمناصب، ما أنتج ظاهرة العدد الهائل من الموظفين الرسميين والقضاة والضباط والمديرين بين أبناء الإقليم… في المقابل، استحوذت المختارة ودير القمر على قرار اختيار نائبي القضاء اللذين استحال وصول أحدهما إلا من تحت عباءة جنبلاط وشمعون. يستذكر القيادي الشيوعي السابق حسان الحجار كيف أزال جنبلاط ابن بلدته شحيم، عصام الحجار، من لائحته في انتخابات 1964 بعد خلافه معه، ولم يستعد الأخير مقعده إلا بعد تحالفه مع شمعون في انتخابات 1968. الحرب الأهلية التي قلّصت شعبية الشمعونية من القرى السنية والشيعية والدرزية، مدّدت شعبية الحزب التقدمي الاشتراكي بعد صعود الأحزاب الوطنية واليسار. في انتخابات 1992، كان وليد جنبلاط يختال بتطويبه «شيخ عقل» سنة الإقليم وشيعته. حفظ حصته من أحد المقعدين السنيين، فيما ورث آل الخطيب المقعد الشمعوني الآخر حتى عام 2000، وجمعوا من حوله الناصريين والعروبيين عبر زاهر الخطيب. يقر كثر بأن جنبلاط يستحق زعامته في الإقليم. فهو أدرك أهمية برجا وشحيم، عاصمتي القرار في الإقليم بسبب قوتهما الناخبة (تضم كل منهما حالياً حوالي 16 ألف ناخب). فاسترضى برجا باختيار علاء الدين ترو قبل أن يسترضي شحيم ببلال عبدالله.

عام 2000، دخل رفيق الحريري إلى إقليم الخروب على حصان المرجعية السنية. تنبّه لخصوصية برجا وشحيم، فاختار من الثانية محمد الحجار، المدير السابق في أوجيه لبنان، الذي تملك عائلته وحدها أكثر من 3 آلاف صوت. طوال أربع دورات انتخابية (حتى عام 2018)، صمد تحالف جنبلاط – الحريري الأب والابن. لكن حصة جنبلاط السنية لم تتزعزع بقرار تيار المستقبل العزوف عن الترشح لانتخابات 2022. فالكثيرون لا يزالون يحتفظون ببطاقتهم الاشتراكية ويورثون ولاءهم للمختارة إلى أبنائهم حباً أو كراهية «بسبب تحكمها بمفاصل الحياة الخدماتية والتوظيفية». لذلك، ينصرف جنبلاط لتأمين حصته المسيحية والدرزية في الإقليم مطمئناً إلى حصّته السنية، وإن كان لا يزال يستمهل في حسم مرشحه. فيما علمت «الأخبار» أن حظوظ النائب الحالي، ابن شحيم، بلال عبدالله، عالية لاعتبارات عدة، منها انتماؤه إلى أكبر عائلة سنية في إقليم الخروب تملك علاقات وثيقة مع عائلات كبرى أخرى كآل شعبان في شحيم. إلا أن حظوظ علاء الدين ترو، ابن برجا، عالية أيضاً. وبحسب مصادر مواكبة، «قد يلجأ جنبلاط لجمع البلدتين في لائحة واحدة لتجيير قوتهما الناخبة لرفع حاصل لائحته في الشوف – عاليه».

ماذا عن المقعد الآخر؟ يؤكد قيادي سابق في تيار المستقبل في إقليم الخروب لـ«الأخبار» أن المعركة ليست على المقعد السني الثاني فقط، بل على تقاسم إرث «المستقبل». إذ يرى كثيرون في ذلك مهمة سهلة بسبب تراجع شعبية التيار نفسه في السنوات الأخيرة، لأسباب عدة منها «إدارة أمينه العام أحمد الحريري الذي كثرت وعوده وقلّت أفعاله»، ما أجبر سعد الحريري على القيام بجولة انتخابية قبيل انتخابات 2018 على قرى الإقليم، خصّ خلالها برجا وجاراتها بمهرجان انتخابي أقيم في سبلين، وهتف فيه قائلاً: «أنا نائب عن برجا». غير أن التراجع يومها لم يؤثر كثيراً في القوة الناخبة، لا سيما بسبب تحالفه مع جنبلاط في لائحة واحدة. أما النائبة بهية الحريري، فلم يسجل لها تدخل مباشر في ساحة الإقليم. فضلاً عما يشاع عنها قولها «يكفيهم أولاد الإقليم وظائف ومناصب».

فور اعتكاف الحريري، شحذت قوى سنية عدة جهودها للفوز بالمقعد الثاني، من شخصيات مستقبلية إلى ناشطي المجتمع المدني. وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» بأن النائب الحالي عن «المستقبل» محمد الحجار اتصل بالرئيس فؤاد السنيورة، بعد المؤتمر الصحافي للأخير الذي دعا فيه السنة للمشاركة في الانتخابات، طالباً دعم ترشيحه. لكن الأخير «لم يحسم موقفه بعد». على خط مواز، «طلب الحجار دعم الحريري نفسه، محذراً إياه من فوز ابن برجا، اللواء المتقاعد علي الحاج، المدعوم من قوى 8 آذار. إلا أن الحريري لم يكترث». وفي حال لم يوفق الحجار بغطاء من السنيورة أو دار الفتوى، قد يتوجه لتشكيل لائحة مستقلة. وهنا، تردد بأنه «تواصل للغاية مع رئيس بلدية برجا السابق نشأت حمية، إلا أن الأخير رفض أيضاً».

ومن الطامحين لوراثة المقعد المستقبلي، علي الجوزو نجل مفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو. الابن ركب موجة انتفاضة 17 تشرين، وهو فاعل في إحدى منظمات المجتمع المدني. وتردد بأن الحجار اقترح على الجوزو تشكيل لائحة، مستفيداً من تأثير والده على المشايخ وأئمة المنابر. انطفاء نجم الحجار قابله صعود نجم ابن برجا المرشح المحامي سعد الدين الخطيب الذي أقام أمس حفل غداء في منزله حضره مقربون من المستقبل والقوات اللبنانية وناشطون في المجتمع المدني. علماً بأنه كان قد فاز بعضوية نقابة المحامين على لائحة ملحم خلف. مصادر «الأخبار» قالت إن الخطيب «يحظى بدعم القوات وجنبلاط وبعض أيتام المستقبل».

الضبابية تكتنف مصير الصوت المستقبلي بين احتمال المقاطعة أو «الانتخاب انتقامياً»، بحسب الشيخ إياد عبدالله عضو اللقاء الروحي، مشيراً إلى أنه «رغم الضياع والغضب، فإن قاعدة سعد الحريري لن تقاطع وستبحث لها عن صوت بديل، وقد تجيّر أصواتها لمرشحي المجتمع المدني انتقاماً من قوى السلطة، لا سيما التي خذلت الحريري». رسمياً، يؤكد منسق «المستقبل» في جبل لبنان الجنوبي وليد سرحال لـ«الأخبار» أن القيادة «لا تزال تتمسك برفض ترشيح أي كان باسم التيار للانتخابات بقرار من الحريري. أما عن مصير المشاركة في الانتخابات، اقتراعاً أو مقاطعة، فهو ليس محسوماً وينتظر قراراً من الحريري أيضاً».

 

ينصرف جنبلاط لتأمين حصته المسيحية والدرزية في الإقليم مطمئناً إلى حصّته السنية

 

 

على الضفة الأخرى، تنتظر الجماعة الإسلامية. تجد بأن هذا الزمن هو زمانها لنيل حصتها المؤجلة. فور اعتكاف الحريري، حظيت الجماعة بوعد من جنبلاط بالتحالف معها، إلا أنه تراجع سريعاً. ما دفعها للبحث عن تحالفات جديدة بين قوى السلطة والمعارضة على السواء. مسؤول الجماعة في جبل لبنان الشيخ أحمد فواز أكد لـ«الأخبار» أن الجماعة قررت ترشيح عمار الشمعة من برجا، عن أحد المقعدين السنيين في الشوف – عاليه. وبهدف الترويج للمرشح العشريني، لا تزال الجماعة «تقوم بمروحة اتصالات وتشاور مع أكثر القوى السياسية على الساحة في الشوف، من الاشتراكي والرئيس فؤاد السنيورة ومحمد الحجار إلى فصائل الحراك المدني»، لافتاً إلى أن «الخيارات مفتوحة لتنسيق الموقف السني بغياب الحريري». فواز أقر بأن عزوف المستقبل هو «عامل مسهّل لحصول الجماعة على المقعد»، لكنه يستحضر دورها في الإقليم عبر مؤسساتها. علماً بأن ماكينتها الانتخابية تحصي أكثر من ستة آلاف صوت ستقترع لمرشحها.

 

«شوف للتغيير»؟

تطلق مجموعات المعارضة غداً حملة «شوف للتغيير» في دائرة الشوف ــــ عاليه، من بلدة برجا في ساحل الشوف. بحسب الناشط في حراك «ثوار الإقليم» محمد عويدات، تجمع الحملة «غالبية المجموعات التي تنشط في إطار الثورة ضمن الحراك الانتخابي في دائرة الشوف ــــ عاليه، منها ثوار برجا وثوار الإقليم ولحقّي وحزبا لنا وسبعة والزعرورية تنتفض (…)». ويشكل إطلاق «شوف للتغيير» تدشين الماكينة الداخلية التي «ستغربل المرشحين المستقلين وفق معايير ومناظرات علنية». يتفاءل ابن شحيم بإحداث خرق في المقاعد التي صادرتها الزعامات المحلية. ورغم انتمائه إلى عائلة ناصرت الشمعونية وحظيت بمناصب عليا في الدولة بسبب علاقاتها مع قوى السلطة، يؤكد أن «الناس وعيت». ويقرّ بأنه عانى مع عائلته نفسها «من انضمامه الى الثوار ومشاركته في قطع الطريق على أوتوستراد الجنوب»، إلا أنه يجد أن انتفاضة 17 تشرين «كسرت الزعامات والقيود العائلية». يحوم المستقلون حول أحد المقعدَين السنيّين في الدائرة الذي شغر بعد عزوف تيار المستقبل عن المشاركة في الانتخابات. يسعون إلى اختيار مرشح يملأ الفراغ. وفي هذا السياق، ترتفع حظوظ رئيس بلدية برجا السابق نشأت حمية. لكن جمال ترو الناشط في «ثوار برجا» يرفض حصر الحراك بوراثة مقعد الحريري. «نحن نسعى لكي يقوم جمهور كل الأحزاب، ومن ضمنها المستقبل، بمراجعة نقدية ودعم لوائح المعارضة»، إذ إن أسباب المراجعة كثيرة في الإقليم الذي «دفع حياته ثمناً لفساد أهل السلطة وجشعهم من معمل سبلين إلى معمل الجية».