اعترف فريق اساسي في 14 آذار سابقاً بالهزيمة السياسية التي حصلت منذ التسوية الرئاسية التي أوصلت ميشال عون رئيساً الى قصر بعبدا وارتضت بالتبدل الحاصل ومتغيرات المشهد اللبناني والحرب السورية وصولاً الى الانتصار على الارهاب وتحرير السلسلة الشرقية، إلا ان فريقاً اساسياً ايضاً لا يزال يرفض هذه التسليم بالواقع السياسي الجديد ويرفض ان يواكبه في بعض تفاصيله، فاذا كان سعد الحريري رأس حربة الفريق الآذاري اول المتحولين ويواكبه ويليه النائب وليد جنبلاط فان رئيس حزب القوات «صامد» وثابت على موقفه السياسي وذاهب في المعركة بالمواقف على النظام السوري وإيران وحزب الله، وقد كان آخرها تغريدته «التويترية» مهاجماً حزب الله «بالفضل له على حكومة وجيش ايران وليس على حكومة وجيش لبنان والفضل لحزب الله على نظام الأسد للتضحيات التي قدمها في سبيل سوريا والاساراتيجية، هذا التصريح وفق اوساط وزارية يأتي خارج زمان ما يحصل اليوم على الساحة الداخلية والتي تفترض مواكبة الانتصار الذي تحقق في معركة القضاء على الارهاب والتهدئة الداخلية التزاماً بسقف التسوية التي يسير في أطرها جزء من قيادات فريق «ثورة الأرز» سابقا، فمعادلة توازن الارهاب مقابل القوة العسكرية لحزب الله لم تعد صالحة اليوم لا في الزمان ولا في المكان، ومعادلة «بشار الأسد سقط.. لم يسقط»، تلك هي القضية التي تمحورت حولها وعليها سياسة فريق واسع من اللبنانيين بنوا آمالا على متغيرات ومراهنات في الداخل وصلت الى حدود «عدم المس بالارهابيين» حتى لا يقال حمايتهم والى عدم الرضى على كل الانجازات الأمنية خصوصاً تلك التي لا تقوم بها القوى ألأمنية والعسكرية ولو كان الهدف ضرب الارهاب ومحاربته، فان هذه المعادلة لم تعد موجودة تؤكد الاوساط، وخاتمة الانقلاب في المواقف والتبدل على الساحة السياسية تكرس مع انطلاقة العهد الجديد وسقوط رهانات 14 آذار الماضية بعد زوال كل من 8 و14 آذار، وقد اتت الانجازات التي حققتها المؤسسة العسكرية من جهة وحزب الله من جهة ثانية لتلزم الجميع بدون استثناء بالصمت واعادة تقويم المسارات السياسية الجديدة لمواكبة التحول الجديد.
النائب وليد جنبلاط هو أول «المتحولين» على الساحة السياسية وأول من قام بالاستدارة السياسية وواكبه رئيس الحكومة سعد الحريري، وهذا التحول كان لا يمكن تجاهله في عملية تحرير الجرود التي ألزمت الجميع خلافاً لما يضمرون على تأييدها وان اختلفت اللهجة السياسية في التعبير، فما ان اعلن حزب الله عن تحرير الجرود، حتى سارع وليد جنبلاط الى «تويتر» لتحية شهداء حزب الله ودوره في تحرير الجرود فموقف جنبلاط شكل علامة فارقة وحمل دلالات ورسائل سياسية في اكثر من اتجاه، بخلاف موقف جعجع الذي يتمايز عن حلفائه في «ثورة ألأرز» في طريقة مقاربة الملفات السياسية ووجهات النظر، فسمير جعجع أنجز مصالحات سياسية مع عدد من القوى السياسية التي خاصمها لكنه لم يبدل في الموقف الاستراتيجي حيال النظام السوري وايران وحزب الله في حين يلتزم كل من جنبلاط الحريري التهدئة وعدم التصعيد حيال حزب الله على ألأقل.
وبمقارنة موقف الحريري ومعراب من تحرير الجرود فان الحريري رأى ان حزب الله ساعد الدولة في القضاء على الارهاب في حين ان جعجع رأى ان على حزب الله ان يقدم سلاحه هدية الى الدولة . فرئيس الحكومة يتمايز كثيراً عن كل حلفائة وخطه السياسي، عن معراب وتيار المستقبل وكتلة المستقبل، وهو لم يلتفت حتى الى تغريدة وزير الدولة السعودي ثامر السهبان وارسل اشارات ايجابية الى حارة حريك في التوقيت الصعب، متسلحاً بمبررات الاعتدال وحماية الاستقرار ودور رجل الدولة، في حين ان زياراته الى واشنطن وفرنسا وروسيا من ضمن موقعه السياسي الجديد فروسيا هي المحور الذي يمكن الركون اليه اليوم مع تبدل الخرائط في المنطقة .
هذا التمايز وفق الاوساط بين الحريري وجنبلاط ومعراب له حساباته وحيثياته المتشعبة، فما يلزم الحريري كرئيس حكومة لا يسري على حلفائه وتياره وتحديداً على معراب التي يبدو انها تحافظ على الخطاب السياسي نفسه تجاه حزب الله رغم ان اشارات كثيرة سبق ان صدرت من معراب في اعقاب التسوية الرئاسية أوحت بحصول تقارب كان حزب الله متحفظاً ولا يزال تجاهه، فالمسارات السياسية بين حارة حريك ومعراب لا يمكن ان تتلاقى ابداً، ولا يمكن الحديث هنا عن دور للتيار الوطني الحر او لرئاسة الجمهورية القريبة من الطرفين فلا احد يمكن ان يمون في هذا الملف بحيث ان لكل فريق سياسي من الطرفين خيارات متباعدة وتحتم الإبقاء على معادلة عدم التلاقي.
وليد جنبلاط لا يبدو بعيداً عن خطاب رئيس الحكومة في مواكبة التطورات، فاهم ما يريده جنبلاط اليوم تحضير نجله تيمور لخيارات لا تشبه خياراته التي فرضت عليه، فالحرب التي شنت على سوريا في السنوات الماضية صارت في مراحلها الاخيرة، ونظام بشار الأسد لم يسقط، وبالتالي فان حزب الله الذي انتصر في معركة الجرود وفي الحرب السورية اصبح خطاً احمراً لا يمكن تجاوزه ولا مخاصمته مثل الأمس . وعليه فان جنبلاط كرر الموقف نفسه الذي اطلقه في حرب تموز 2006 عندما قال ان الحزب انتصر فلمن يهدي الانتصار؟ ليوجه التحية لشهداء حزب الله. ويعني ذلك خلافاً لموقف جعجع اعترافاً بسلاح حزب الله. فجنبلاط يماشي المناخ الإقليمي الجديد لضرب الارهاب والقضاء عليه ويتماشى مع التحولات السياسية التي بدأت على الساحة السياسية منذ انتخاب ميشال عون رئيساً وولادة قانون انتخاب جديد، والتوافق على ادارة الملفات قائم بقوة بين رئاستي الجمهورية والحكومة، عدا ذلك فان مرحلة الخصام مع سوريا ولت الى غير رجعة ولم يعد مجدياً بعد سقوط 8 و14 آذار والتحول السياسي الجاري في لبنان وعلى الأرض السورية .