لم يتأخر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في إبلاغ من يعنيهم الأمر، من خصومه وحلفائه على حدٍّ سواء، تمسّكه بالحصة الدرزية الكاملة في الحكومة، أي ثلاثة وزراء دروز في حكومة ثلاثينية، هم من حصة الحزب الاشتراكي… وحده.
وبلا شكّ، فإن الضغوط التي يتعرّض لها جنبلاط، في مسعىً من رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل، لتوزير النائب الدرزي طلال أرسلان، تجعل جنبلاط أكثر تصلّباً وقناعة بقطع الطريق أمام تحقيق «العهد» أي مكاسب على الساحة الدرزية، خصوصاً في ظل استشعاره أن هناك من يحاول قبل الانتخابات وبعدها اللعب في «البيت الدرزي الداخلي».
وفيما كان من الممكن أن يدعم الحريري، أو يتساهل مع مطالب عون بمنح إحدى الحقائب الدرزية لأرسلان، حسمت زيارة جنبلاط إلى السعودية موقف الحريري، الذي بحسب المعلومات، أبلغ أكثر من معني خلال اليومين الماضيين تأييده لمطالب جنبلاط «المحقّة» في الحصول على الحقائب الدرزية كاملةً، طالما أن جنبلاط فاز بغالبية المقاعد النيابية الدرزية. وبذلك، يصبح جنبلاط متسلّحاً بتأييد الحريري والرئيس نبيه برّي، الذي يقف مع حليفه التاريخي «ظالماً كان أم مظلوماً»، فيما يبدو حزب الله، خصوصاً بعد الاجتماع القيادي الأخير المشترك بين الطرفين، قد قطع شوطاً في علاقة بعيدة المدى من التفاهم مع جنبلاط، مع احتفاظ الأخير بهامش سياسي واسع. وزاد الطين بلّة، تأزم علاقة أرسلان بحلفائه في قوى 8 آذار أوّلاً، ومع بري ثانياً، وثالثاً، بعد افتعال كتلة «ضمانة الجبل» من نواب في التيار الوطني الحر ليرأسها أرسلان، وتخريج الأمر بصورة تحدٍّ لجنبلاط في الجبل من «القوّة المسيحية» المستجدّة، في خطوة تزيد من قوّة جنبلاط في الساحة الدرزية لا تضعفه.
افتعال كتلة «ضمانة الجبل» لارسلان خطوة تزيد من قوّة جنبلاط لا تضعفه
أكثر من سيناريو/ عرض تمّ تداوله لإقناع جنبلاط بتوزير أرسلان، وأوّلها منح جنبلاط حقيبة مسيحية لكاثوليكي، في عمليّة مقايضة مع رئيس الجمهورية؛ وفي سيناريو آخر، توزير مروان أبو فاضل (أورثوذكسي)، في وزارة الدفاع. غير أن جنبلاط بقي على موقفه، من دون أي تراجع. وفي طرح مضاد، يجري الحديث، في حال استمرار إصرار رئيس الجمهورية، على توسيع حصّة الدروز في الحكومة، من ثلاثة وزراء إلى أربعة، بعد أن كسر بري وحزب الله القاعدة في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ومنحوا النائب فيصل كرامي حصّة وزارية موسّعين بذلك التمثيل السّني من ستة وزراء إلى سبعة، على حساب مقعد شيعي، وهو الأمر الذي لا يحتمله عون. وفي حال حصوله، لَعَدّه جنبلاط مكسباً له على حساب العهد، بتوسيع حصّة الدروز «تحت الضغط».
هي المرّة الأولى التي يضع فيها جنبلاط «فيتو» من هذا النوع على أرسلان، بعد سنوات من «الخصومة» المضبوطة تحت سقف «وحدة الطائفة» وتوزيع الأدوار، في سياسة درزية تقليدية تظهر في أوضح صورها بالمقعد الفارغ الذي تركه جنبلاط لأرسلان في عاليه، وفي عدم خروج أرسلان عن مواقف جنبلاط في اللعبة الداخلية اللبنانية حيال تأليف الحكومات وتوزيع الحصص بين الطوائف. إلّا أن التطوّرات الأخيرة، تدفع جنبلاط إلى هذا التعنّت، لأسباب كثيرة. أوّلاً، خروج أرسلان إلى مرحلة المواجهة مع جنبلاط في لحظة هجوم عون وباسيل عليه، وفي لحظة صعود «ماروني» مستجدّ يذكّر بالصراعات القديمة بين الطائفتين في الجبل. ثانياً، حاجة جنبلاط إلى عبور آمن لتوريث تيمور، لا يحضنه سوى شدّ عصب درزي، مهما توسّعت التحالفات السياسية الأخرى، في مرحلة يكاد يكون فيها جنبلاط بلا حاضن خارجي أو إقليمي. ثالثاً، على رغم اقتناع جنبلاط بضرورة حيازة كتلته على نوّاب مسيحيين وسنّة، يكونون امتداداً للزعامة الجنبلاطية في الطوائف الأخرى، إلّا أن رئيس الاشتراكي، يدرك تماماً مآل الأمور في البلاد نحو فرز طائفي ومذهبي، تعمّد في القانون الانتخابي الجديد، أو كما يراه جنبلاط: قانون «أورثوذكسي مقنّع»، وبالتالي، فإن التركيز على العمل في الساحة الدرزية، يعني حتماً قطع الطريق على أي قوى أخرى، خصوصاً إذا كانت تتسلّح بدعم «العهد»، الذي انطلق منذ بداياته، بمواجهة جنبلاط.