Site icon IMLebanon

صراحة جنبلاط وانطلاق كرة الثلج

 

لا يمكن إلا التوقف مليّاً عند جزئيات المشهد الذي أحاط برئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط في معرض ردّه على تعرّض الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله له في خطابه الأخير. الحضور النيابي الذي رافق جنبلاط في اجتماعه برئيس الحكومة سعد الحريري يؤكّد أنّ ما تمّ تداوله يذهب إلى ما بعد مسألة البساتين وما بعد المجلس العدلي. اختيار بيت الوسط للردّ على الأمين العام ينطوي على قبول صاحب البيت بمضمون التصريح.

 

بدى التصريح المقتضب والمنضبط لوليد جنبلاط وكأنّه إعلان لانتهاء مرحلة وبدء مرحلة أخرى، وهي المرة الأولى التي لم يتعمّد فيها جنبلاط تدوير الزوايا منذ انسحابه من حركة 14 آذار في 3 آب 2009 بل كان صريحاً في التشديد على حصريّة ما يجمعه بحزب الله، قضية فلسطين دون سواها، وفي القول جهراً «أما في باقي المواضيع فلسنا متفقين…». وهذا يعني العودة إلى الأساسيات وإسقاط كل ما اعتُبر أمراً مسلّماً به نتيجة أحداث 7 أيار واتّفاق الدوحة وما تلاها من مفاعيل، وربما وصولاً الى التوازن السلبي القائم حالياً بما في ذلك التسويّة الرئاسية بوعودها الوهمية وبفشل كل الآمال التي عُلقت عليها.

 

ينهي هذا التصريح مرحلة الانكفاء الجنبلاطي والتسليم بالرضوخ للقوة القاهرة، ويعيد جنبلاط الذي آثر مرارة الصبر ومواجهة جمهوره في أكثر من موقف حرصاً على الاستقرار، الى صدارة المشهد. الميل الواضح لحزب الله لتثبيت نظرية الاختراق السياسي عبر حادثة البساتين، واستذكار الأمين العام لحزب الله تعبير سلاح الغدر ومحاولة إسقاط صورة وليد جنبلاط المعنويّة والأخلاقية باختلاق رواية الشراكة مع فتوش وتوسّل وساطة الحزب لدخول السوق السورية، أتت بعد مسلسل التضييق على جنبلاط في الانتخابات، وتركيب الكتل النيابية الوهميّة وتشكيل الحكومة والجولات المستفزة والمتكررة لحليف حزب الله وزير الخارجية جبران باسيل، بالتوازي مع تكبيل الرئيس سعد الحريري والاعتداء على صلاحياته الدستوريّة مع كل إشراقة شمس.

 

لا يمكن فصل هذا النمط المتسارع للانقضاض على الاستقرار الهش في لبنان عن تسارع المتغيّرات في المنطقة من سوريا حتى الخليج العربي. اللقاء الثلاثي في إسرائيل لا يمكن قراءته إلا من خلال تقاطع المصالح السلبي بين روسيا وإيران ومن خلال ما سمّي بإعادة انتشار ميليشيات حزب الله في سوريا، وهو التعبير الذي اصطُلح عليه لتوصيف الانسحاب. العجز الأوروبي عن تقديم طروحات حقيقية لإنقاذ الاتّفاق النووي لا يمكن أن يفضي إلا الى المزيد من حشد القوى في الخليج العربي – كان آخرها تعزيز وحدات البحرية البريطانية في هرمز – مما سيحوّل الخليج إلى بحيرة دولية خارج السيطرة الإيرانية أو سيلغي دور الخليج في حال تحوّله الى مسرح للعمليات العسكرية، وما تصريح رئيس الوزراء العراقي بالاستعداد للاستغناء عن الخليج وبناء خط أنابيب من البصرة الى الأنبار ومنه الى الأردن إلا خطوة واضحة في هذا الاتجاه. تصاعد الوضع الميداني في الخليج وارتفاع احتمالات المواجهة سيرفع من احتمال توزّع العمليات العسكرية على كلّ الدول والساحات التي تستطيع إيران تفجيرها ومنها لبنان وسوريا.

 

استعادة وليد جنبلاط المبادرة من بوابة العروبة بإعلانه أنّ القاسم المشترك الوحيد مع حزب الله هو فلسطين، وإن أتتّ على وقع أحداث داميّة في الجبل تمثّل الرد على سعي جدي من حزب الله وحلفائه على إدخال لبنان في لعبة المحاور من بوابة الفتنة الداخلية تمهيداً لإسقاط النظام السياسي وإعادة كلّ رموز الطائف الى بيت الطاعة الماروني المتفجّر أصلاً. إحجام الرئيس سعد الحريري عن الدعوة لاجتماع الحكومة بالرغم من تداعيات ذلك على مستقبل التسويّة الرئاسية، هو موقف شجاع لا يمكن فهمه إلا من خلال وقف موجة الجنون المتمادي التي بلغها المغامرون من شركائه في التسويّة. وفي هذا الإطار لا يبدو من قبيل الصدفة استضافة المملكة العربية السعودية لرؤساء الحكومات السابقين وصدور بيان يشدّد على عروبة لبنان والتمسّك بالطائف ودعم رئيس الحكومة، وعلى دور المملكة في الحفاظ على لبنان.

 

صراحة  وليد جنبلاط ليست قفزة في المجهول بقدر ما هي قرار شجاع في اللحظة الحاسمة بالعودة الى الأساسيات وانطلاق كرة الثلج …..

 

العميد الركن خالد حماده