IMLebanon

إلى وريثَي القائدين كمال جنبلاط ورفيق الحريري: التّسوية الآن خيانة

 

 

عندما صافحتما قاتل والديكما لم تهدرا دماء والديكما فحسب بل أهدرتما كرامة لبنان بأسره. أنتما تخاذلتما وقايضتما على دماء الشهيدين رخيصاً.

 

من المحزن أنّ قائدين مثلكما تخلّيا عن الأماني الكبيرة التي زرعها والداكما في أعماقنا. كمال جنبلاط زرع في أعماقنا الكرامة والعزّة والرّفعة وروح النضال القائم على الحقوق المشروعة والعدالة لكلّ مواطن ومخلوق على هذه الأرض. ورفيق الحريري أعاد إلى أرواحنا ذلك الثوب الإيماني بلبنان الواحد الموحّد، وبقوّتنا وقدراتنا على إعادة هذا الوطن درّة الشرق. مصافحتكما المرتكبين، لم تدمر في أعماقنا أحلامنا وأمانينا فحسب، بل زرعتما مكانها ثقافة الإستسلام أو الهرب.

 

من وضع جانبا ضميره الإنساني والوطني لا يصعب عليه إيجاد المبرّرات وخاصّة أمام شعب مقسّم طائفيّاً ومذهبيّاً، ومعدّ ليتقبّل قرار الزّعيم، مهما كان، ودائماً بالهتاف “بالرّوح بالدّم نفديك يا…” وهي عبارة زرعتها ثقافة المخابرات عند الدّيكتاتوريّين الذين صرتم عبيداً لهم.

 

بعد ثورة الشّعب عام 2019، جئتما تشاركان مجدّداً بتّسوية تبقي الإحتلال الإيراني ممسكاً بأعناقنا. أيّة واقعيّة تتحدّثان عنها. تريدان مساعدة الناس للخروج من الحالة الرّاهنة فتعيدانه لعبوديّته بدلاً من أن تنضمّا إليه في نضاله للتّحرّر من قيد العبوديّة واستعادة السّيادة. ربّما تعتقدان أنّ الخلاف بين الرّعيان يعيد الأغنام إلى الحظائر. الناس ليسوا أغناماً. كانوا عبيداً لتعصّبهم المذهبي فاستفاقوا. لا تعتقدنّ أنّ التظاهرة التي شاركتم بها مع الإتّحاد العمّالي تعكس هيمنة لكما على الأرض. في الواقع كانت صرخة من الجميع للتّعبير عن الألم وبدلاً من أن تستفيقا إلى ما تحمله هذه الصّرخة من رسائل، جئتما تكرّران شعار التّسوية. ماذا أدّت التّسوية التي قدتماها لسنوات إلى غير هذا الألم عند النّاس؟ طفح الكيل. سكتنا عن ممارساتكما منتظرين لكما محاسبة عادلة عند استعادة السّيادة، وأنتما تعلمان ذلك. جئتما الآن بشعار التّسوية راجين رضى الأجنبي الذي جاء بكما وحمايته لكما غير آبهين بنا وبألمنا. هذه المرّة لن نسكت. مساعيكما لن تقتل روح النّضال عند شعبنا. لن تلغي جهدنا المغموس بالجوع والفقر والذّل بغية استرجاع السّيادة والكرامة. التّسوية الآن خيانة مكشوفة، فلا تستمرّا بهذه اللّعبة.

 

أستاذ وليد، أنت أجمل موقف أخذته يوم وقفت مواجهاً باسم 14 آذار الإحتلال الإيراني. ردّ حزب إيران بعنف فخفت وركضت تقدّم الإعتذارات، قائلاً خانني الأميركي. هل كنت تعمل في خدمة الأميركي أم في خدمة هذا الشّعب وحقّه بالحرّية التـي دفـع والـدك حياتـه ثمناً لها؟

 

أستاذ سعد، لا أعرف لك موقفاً أجمل من متابعتك طلب العدالة لدم الشّهيد رفيق الحريري. كرسيّ رئاسة الحكومة جعلتك تقف أمام باب المحكمة في لاهاي، التي دفع الشّعب كلفتها من ماله العام، لتقول وصل حقّنا، فقد عرفنا القاتل، ثم ذهبت إليه تقول عفى الله عمّا مضى. لست من يحمل دم الشّهيد الحريري ولو كنت ابنه، لتمنح القاتل العفو. للوطن الحقّ بمعاقبة القاتل. أمّا أنت، فسيزرعك التّاريخ في لائحة المنهزمين.

 

عودا إلى رسالتَي والديكما. عودا إلى أهلكما وشعبكما. عودا إلى السّياديّين. كفى انهزاماً. إقبلوا بالمحاسبة العادلة لاحقاً. إرادتنا هي من تصنع القرار الدّولي. طالبا بتنفيذ القرارات الدّوليّة بدءاً من اتّفاقيّة الهدنة لعام 1949، وحتى القرار 1701 لعام 2006. رافقا البطريرك الرّاعي بجهوده أمام المجتمع الدّولي. طالبا مجلس الأمن بالإستماع إلى صوت الشّعب: نريد السّلام. نريد الحرّية. نريد الإستقلال واستعادة السّيادة. العلاقة مع إسرائيل تحكمها اتّفاقيّة الهدنة لا أكثر. ترسيم الحدود البحريّة معها يتمّ وفقاً لهذه الإتّفاقيّة. نريد ترسيم الحدود البرّية مع سوريا بمساعدة الأمم المتّحدة وفقاً للقرار 1701، بغية إنهاء موضوع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. نريد منع أيّ سلاح غير سلاح الجيش اللّبناني وفقاً للقرارين 1559 و1701. نريد حيادنا عن النّزاعات الإقليميّة والدّوليّة والعودة إلى مفهوم عدم الإنحياز الذي كان كمال جنبلاط رحمه الله، أحد صانعيه. إتّفاقيّة الهدنة والحياد هما الحلّ بعيد المدى بيننا وبين إسرائيل وفقاً لمطلب القرار 1701. نريد مساعدة الأمم المتّحدة لبناء السّلام بعد الحرب في بلدنا، بما في ذلك مساعدتنا على إقامة مؤتمر وطني برعايتها، للمصارحة والمصالحة، على غرار مؤتمر جنوب أفريقيا عند سقوط نظام الأبرتايد، وكذلك مساعدتنا لإقامة محكمة وطنيّة مستقلّة لمكافحة الفساد. مصارحتكما، ومصارحة كلّ أمراء الحرب الآخرين، للشّعب، واعترافكم جميعاً أمامه بأخطائكم واعتذاركم منه هو الطّريق إلى المصالحة الحقيقيّة بينكم وشهادة لهم بأنهم كانوا جميعاً ضحايا لهذه الحرب على أرض وطنهم. عندما نقول للعالم أنّنا ضحيّة، يمكننا عندها المطالبة بالتّعويضات وبإلغاء الدّيون الملقاة على كاهلنا. هكذا نعيد الإزدهار للبنان. كما نحن لا نملك حق إدانتكما أو إدانة باقي أمراء الحرب بالفساد، العدالة هي التي يجب أن تقرّر براءتكما أو مسؤوليتكما.

 

أخيراً، نريد لنضال من يتبعكما أن يتكامل مع نضال شعبنا في خدمة لبنان الواحد الموحّد، الرّسالة، وبغية أن يكون مركز الأمم المتّحدة لحوار الثّقافات والحضارات والأديان في العالم.

 

(كينتانا روو في 20 حزيران 2021)