لم يكن مسار النائب السابق وليد جنبلاط، والرهانات الخاطئة التي رسم على أساسها سياساته تجاه سوريا، لتنتج واقعاً مختلفاً عن سوء الحال الذي وصل إليه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي بعلاقاته مع أبرز حلفاء سوريا، حزب الله وروسيا.
فالرهان على سقوط سوريا والرئيس بشار الأسد، والعمل على تفجير السويداء وجبل الشيخ وتأليب القرى على الدولة السورية ودعم عصابات من الانفصاليين في المدينة الدرزية الأكبر في الشرق، ثمّ تمويل مجموعة من المعارضين العلويّين ورعايتهم، في الوقت الذي يخوض فيه حزب الله ولاحقاً القوات الروسية معارك ضارية إلى جانب الجيش السوري، وضع جنبلاط في المحور المعادي تماماً لتحالف الدفاع عن سوريا. ولكي يزيد الطين بلّة، قرّر جنبلاط أن ينزع لبنانية مزارع شبعا، ملوّحاً بورقة شرعية المقاومة.
لكن حزب الله تحديداً لم يبادل جنبلاط بالمثل. بل على العكس، حافظ على «تنظيم الخلاف» مع رئيس الاشتراكي بما يحصّن الواقع اللبناني، وساهم إلى جانب الرئيس نبيه بري، في منع «هزيمة» انتخابية كانت محقّقة، لو نُفّذت رغبة الرئيس ميشال عون بفصل الشوف عن عاليه في الانتخابات النيابية الأخيرة.
ومثل حزب الله، سعى الروس جاهدين إلى ترك خطوط الاتصال مع جنبلاط مفتوحة، مع محاولات دائمة إلى استيعابه والتخفيف ممّا يسمّيه «الهواجس»، وهي مخاوف وإن متخيّلة، لكن منبعها خشيته من ارتدادات دوره في الحرب السورية.
وفيما كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يشعر بالخيبة من نكث جنبلاط بضمانته مع الأسد أول الأزمة السورية، بعد انعطافة 2 آب 2009 والمصالحة التي ضمنها نصر الله، حاول الروس بدورهم تعبيد طريق دمشق أمام النائب تيمور جنبلاط، مراراً. بينما تابع جنبلاط الأب هجوماته على روسيا والرئيس فلاديمير بوتين ووقف يشاهد العلم الروسي يحترق في بيروت، ويثني أمام السفيرة الأميركية إليزابيث ريتشارد على ضرورة أن ينحصر تسليح الجيش اللبناني بالأميركيين.
في الأسابيع الأخيرة، تنتقل أزمة رئيس الاشتراكي من تعقيد إلى تعقيد. وبدل البحث عن حلول حقيقية، صلبها إعادة الدروز الجنبلاطيين إلى موقعهم الطبيعي خارج ضفة العداء لسوريا والمقاومة اللبنانية، يستمر جنبلاط في لعبة التصعيد، متوقّعاً أن ينتج صراخه تجاوباً من الحزب يمهّد لمصالحة معه. من جهة، يوسّط بري والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم للحصول على ضمانة «أمنية» من حزب الله تكون مفتاحاً لحل الأزمة. ومن جهة ثانية، لم يترك سفارة غربية الشهر الماضي، إلّا وقدّم نفسه أمامها كرأس حربة في مواجهة الحزب على الساحة اللبنانية.
ولم يكتفِ جنبلاط بذلك. قبل نحو أسبوعين، بعث «مرسال مراسيله» إلى روسيا حليم بو فخر الدين، الذي التقى نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف لطلب وساطة أخرى، ولـ«يشتكي» على سوريا وإيران لما يسمّيه تدخلهما في الشؤون اللبنانية وشنّ حربٍ عليه!
كيف يمكن جنبلاط أن يطلب ضمانات أمنية من حزب الله؟ فإن تجاوب الحزب، يكون جنبلاط قد ثبّت التهمة الملفّقة، وإن سكت الحزب، يمسك جنبلاط بالتهديد المتوهّم ويلوّح به، معلناً نفسه ضحيّة. اختصر جواب الحزب الطريق على الوسيطين، واضحاً وبسيطاً: لم نهدّده أو نهدّد غيره لنقدّم ضمانات.
لكن هل يشعر جنبلاط فعلاً بالتهديد؟ لا يقتنع المعنيون بذلك، بل إن رفع السقف بوجه حزب الله ونصر الله، يعني شيئاً واحداً بالنسبة إلى هؤلاء، أن جنبلاط يريد القول إنه ندّ للحزب وليس للنائب طلال أرسلان، الذي ينجح حتى الآن في الحفاظ على موقفه، متمسّكاً بالمجلس العدلي، دِيَةً لشهيدي الغدر في البساتين.
أما بالنسبة إلى روسيا، وبعد أن ظهر أن عودة رئيس الاشتراكي إلى دمشق مستحيلة ومرفوضة من قبل سوريا، وتبيّن في موسكو أخيراً، أن النائب الشاب، الذي لم يرث حزب عائلته بعد، ورث عداوات والده، يكتفي الروس اليوم بدور المستمع. فكما في سوريا، في روسيا أيضاً انتهى زمن العلاقات الشخصية وحدها، وبات تقييم العلاقات يُبنى على مراجعة كاملة للمسارات والمواقف، التي تُظهر وقوف جنبلاط طوال سنوات الحرب الضارية ضد المصالح والرؤية الروسية، التي لا ترى «الملف الدرزي» في الشرق إلّا ضمن إدارة سوريا، وبيد من يراه الأسد مناسباً لمتابعة شؤون الموحدين الدروز، من الجولان والسويداء إلى جبل الشيخ وجبل لبنان.