IMLebanon

عن قلق جنبلاط وطيفه المتواجد في الحكومة

 

يروى أن النائب السابق علي عيد زار على رأس وفد من العلويين الزعيم كمال جنبلاط في السبعينات ضمن جولة على المسؤولين السياسيين. ومن على شرفة المختارة توجّه بمطالب تتعلق بطائفته فأجابه جنبلاط: “شايف كل شجر الزيتون بوجك، تحت كل شجرة دافنين شهيد حتى أخذنا حقنا”.

يستعيد البعض الرواية تلك في معرض الحديث عن واقع الدروز وسط مخاوف رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط من تراجع حضورهم وحصصهم تباعاً على الساحة المحلية. مخاوف عبّر عنها بين سطور مواقفه الأخيرة إثر لقاءاته المتكررة مع المسؤولين.

 

صار الحزب “الاشتراكي” خارج الحكومة، وهي المرة الأولى منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري العام 2005 التي يكون فيها خارج السلطة التنفيذية. كان خروجه الأول إبان حكومة سليم الحص في عهد الرئيس اميل لحود العام 1998 يوم تمثلت الطائفة بالوزيرين عصام نعمان وأنور الخليل، وفي عهد حكومة عمر كرامي 2004 تمثلت بالوزيرين وئام وهاب الذي اكسبته التجربة لقب المعالي، وطلال ارسلان. فهل اقتنع ألا يكون ممثلاً بهذه الحكومة؟ في تقدير بعض المقربين أن طيف جنبلاط حاضر في الحكومة من خلال الوزيرين الدرزيين منال عبد الصمد ورمزي مشرفية. الوزيران يتمتعان بسيرة حسنة وخلفية سياسية لا تبعد كثيراً عن طيف الزعيم الدرزي، لا سيما الوزيرة الصمد.

 

بعد فشل مساعي انضمامه مباشرة كان حرص الثنائي الشيعي على عدم اختيار شخصيات تستفزه في الحكومة وبالفعل تم استبعاد البعض لعدم مطابقتهم المواصفات بمقياس الزعامة الجنبلاطية.

 

الزعامة المهددة

 

يعرف جنبلاط كيف يرسم خط العودة عند اللزوم، خصوصاً أن وضعه الراهن لم يعد مشابهاً لسابق عهده. ذاك أن جنبلاط الذي يستمد قوته من ثقله وحضوره وسط طائفته أولاً، بدأ يشعر وكأن دور هذه الطائفة آخذ في التراجع، ما سينعكس حكماً على زعامته وزعامة ابنه تيمور من بعده.

 

ثمة خوف على أن يصبح وضع الدروز مماثلاً لوضع العلويين بأن يستجدوا حقيبة وزارية من هنا ومقعداً نيابياً من هناك مع تراجع الحضور السياسي لجنبلاط وسط خريطة التحالفات السياسية. وتظهر نظرة سريعة على واقع التحالفات أو العلاقات بين القوى السياسية أن جنبلاط يبدو بعيداً من فريق “14 آذار” وليس قريباً أبداً من قوى الثامن منه. صار في خط الوسط بين بري والحريري.

 

تكاد كل القوى السياسية تصمد على موقفها إلا جنبلاط المتقلب بلا حرج. تميّز دوره كبيضة القبان بين القوى السياسية، لم يعد حضوره على الثقل ذاته، ربما لتغيّر المعادلات الداخلية والإقليمية وحتى الدولية وتبدلها. وحدها علاقته برئيس مجلس النواب نبيه بري لا تزال تشكل له ضمانة وحضوراً لحرص الأخير على وزن جنبلاط ودوره السياسي بما يمثل ومن يمثل. ومن يخطر له أن يكون أي حراك سياسي بلا مكون درزي فهو واهم، اثبتت تلك المعادلة جملة أحداث داخلية لكن حراك جنبلاط اليوم وتنقله بين القوى السياسية ينم بلا شك عن قلق يساوره على مستقبل طائفته اولاً والمستقبل السياسي لنجله تيمور ثانياً وأخيراً.

 

بعدما انسحب مخلياً الساحة لتيمور، استعاد حضوره مع بداية الأزمة ليتراجع حضور نجله. ويبدو أن الحراك فرمل اطلالة النائب الشاب بعدما ارتأى الاب أن من الافضل أن تكون المرحلة الراهنة بلا تيمور في الواجهة خشية أن يدخله أي تحرك في تناقض مع جو الحراك الشبابي الذي يشهده الشارع.

 

ما يصبو اليه جنبلاط محاولة تطويق الأزمة وتداعياتها. قصد رئيس مجلس النواب نبيه بري، ثم رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري.

 

واقع الأحداث على الأرض وفشل فريق 8 آذار بتأليف الحكومة، أعاد الحرارة إلى خط المختارة – بيت الوسط، فذهب زعيم المختارة مذكراً بالعلاقة مع الحريري.

 

يتحضر رئيس الحزب الاشتراكي لحركة سياسية إنطلاقاً من قناعته أن هذا هو دوره في البلد لحظة يمر في أزمات كبرى، يشعر في ظلها أن طائفة الموحدين الدروز في جبل لبنان ستكون أكثر طرف يتأثر بالاجواء، والمداواة لا بد أن تكون من خلال حركة سياسية مروحتها واسعة فيخرج من البعد الدرزي نحو البعد السياسي الموسع.

 

وبعد بري والحريري من المتوقع أن تشمل زياراته حزبي “القوات اللبنانية” و”الكتائب”، وغيرهما من القوى السياسية في محاولة للقول إن لبنان لا يمكنه أن يكمل على وضعه السيئ حيث التباعد بين الشارع والواقع السياسي، لأن أي اختلال بالصيغة السياسية سيتأثر به جنبلاط حكماً كطرف أول فلا بد من إرساء قواعد سياسية جديدة تتعاطى مع المرحلة لأن انهيار الصيغة يعني انهيار الجميع وأولهم الدروز.

 

خط العودة مع “حزب الله”

 

بالمعنى السياسي تعني العلاقة مع بري بالنسبة إلى جنبلاط عدا كونها علاقة صداقة استراتيجية على المستويين الشخصي والسياسي، العلاقة مع “حزب الله” الذي يحرص عليها رغم كل التوتر الذي يعتريها.

 

من مصلحة بري وجنبلاط أن يكونا على علاقة متينة وعلى تواصل وتنسيق متواصلين ومن هنا كان إصرار بري على مشاركة جنبلاط في الحكومة ثم تفهمه خروجه منها. حتى اللحظة الأخيرة سعى الرجلان إلى إعادة تعويم الرئيس سعد الحريري حكومياً.

 

أما العلاقة مع الحريري فهي ذلك التحالف التاريخي مع السنة الذي يحتاجه دائماً، فيما يحرص من خلال تواصله مع “القوات” و”الكتائب” على التأكيد أن الصراع سياسي وليس طائفياً. خلال لقائه مع الحريري أكد وجوب التعاطي بواقعية مع الحكومة الجديدة، والتعاطي معها بكل ملف على حدة أي أن الاشتراكي لن يكون معارضاً لمجرد المعارضة و”اذا اتخذت قرارات جيدة سنؤيدها”، وهو الموقف نفسه الذي عبر عنه عقب تشكيل الحكومة مباشرة.

 

ليس جنبلاط “بوارد فتح جبهة على قاعدة الانقسام الذي كان بين 14 و8 آذار. لم يعد يعنيه الانقسام بقدر ما تعنيه مصلحة البلد”، معارضته وفق مصادره “ستكون على القطعة” والموقف “كل يوم بيومه”.

 

تقول المصادر إن الزعيم الدرزي “لا يحضّر لجولة سياسية وليست لديه أجندة ولقاءاته ليس مخططاً لها لتكون مبرمجة، هي فقط محاولة لمنع انفلات الأوضاع لقلقه من الموضوع الإجتماعي، نظراً لوجود مؤشرات مخيفة لديه، ولذا لا يمكن بسبب الخلافات الحزبية ترك الأمور للناس كي تأكل بعضها في الشوارع وعلى هذه القاعدة مطلوب التنسيق والمهم تسيير أمور البلد”