IMLebanon

جنبلاط يراكم خسائره

اذا كان معظم السياسيين يشهدون لرئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط حسه المرهف للاستشراف وبراعته في قراءات استباقية لافق المراحل القادمة لما يملكه من شبكة علاقات اقليمية ودولية تتيح له الاطلاع على بعض ما يطبخ في الكواليس، ليبني على الشيء مقتضاه، فان هذه المعطيات لم تعف الزعيم الدرزي من سقطات مريعة وكادت تكون قاتلة، وربما يعود ذلك الى تسرعه في اطلاق المواقف وفي الانقلاب عليها في آن معا على قاعدة «الف قلبة ولا غلبة». ولا ينسى المراقبون وفق الاوساط المواكبة للايقاع الجنبلاطي الوقفة المفصلية له ايام قيادته «ثورة الارز» اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري وهجومه الصاعق على القيادة السورية متناولا الرئيس السوري بشار الاسد باقذع الالفاظ والنعوت والشتائم، مثيرا في تلك المرحلة اعجاب صديقه السفير الاميركي يومذاك جيفري فيلتمان الذي يعتبر مهندس وصانع فريق 14 آذار. ومع هبوب موجة التغيير اثر تشكيل الرئيس سعد الحريري حكومته اليتيمة، سارع جنبلاط الى تغيير موقفه من القيادة السورية اثر زيارة الحريري لدمشق ولقائه الاسد مدعوما بوساطة قادها حزب الله والوزير وئام وهاب لفتح ابواب دمشق في وجهه، حيث وصف جنبلاط كلامه المقزع بحق الاسد بانها كانت «ساعة تخل» ليعود عن موقفه بعد هبوب رياح ما سمي «الربيع العربي» الذي تحول شتاء داميا، ليقوم بانقلاب جديد ضد القيادة السورية «محللا» دم الدروز الذين وقفوا الى جانب النظام السوري. وذهب الى ابعد من ذلك من خلال محاولته تطبيع الاوضاع مع «النصرة» و«داعش» على قاعدة تبرئتهما من الارهاب «فالنصرة» هي «من الشعب السوري» و«داعش» «ظاهرة تملأ الفراغ»، الا انه رفع بذلك منسوب عدائه مع النظام ولكنه لم يربح من مهادنة التكفيريين الا المجازر التي ارتكبت بحق دروز بلدة «قلب لوزة» في جبل السماق.

وتضيف الاوساط ان الزعيم الدرزي بدأ يعيد جدولة حساباته اثر الانقلاب في الموقف الغربي حيال الحل في سوريا حيث اجمع الاوروبيون ومعهم واشنطن ان هذا «الحل سيكون مع الاسير» ليطلق موقفا يتلاقى مع المواقف الغربية دون ان يكون محرجا، لا سيما انه فشل فشلا ذريعا في الاستثمار باغتيال الشيخ

وحيد البلعوس في السويداء كونه كان يعادي دمشق ولكنه لم يقاتل الجيش السوري بل وقف في وجه التكفيريين للدفاع عن عاصمة الدروز اذا جاز التعبير.

وتشير الاوساط الى ان اخطاء جنبلاط القاتلة تكمن في انه نجح في مراكمة الخصوم دون الوفاء للصداقات على قاعدة انه يتبنى منطق الدول القائل «لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة انما مصلحة دائمة»، ولكنه ينسى بذلك ان مصالح الدول لا تقارن اطلاقاً بمصالح الافراد، وانه في احدى نزواته كاد يطيح بالبلد كيانا وكينونة في احداث 7 ايار دون ان يدرك عواقب موقفه من «سلاح الاشارة» في المقاومة آنذاك، ومرّ «القطوع» الكبير ليعيد الزعيم الاشتراكي الى ارساء مقولة «تنظيم الخلاف» مع «حزب الله» الذي لا يزال صامداً حتى الآن بفعل رحابة صدر المقاومة.

ولعل اللافت وفق الاوساط نفسها ان جنبلاط كان وراء اقفال مطمر الناعمة ليغرق البلد بالنفايات على خلفية صراعه مع الحريري على الاستثمار فيها كون «الزبالة» نفط لبنان كما اثبتت الوقائع حيث ان احد اسباب هذه الازمة الشركة التي انشأها رجل الاعمال رياض الاسعد وضم اليها تيمور واصلان جنبلاط لمنافسة «سوكلين»، وسرعان ما سحب نجليه منها ليدرك متأخراً انه خلق مشكلة لنفسه وللجميع، واذا كان البعض يراهن على نجاح خطة الوزير اكرم شهيب لحل الازمة قبل هطول الامطار، فان المجريات تشير الى ان مونة جنبلاط على بلدات الشحار اقتصرت على بعض رؤساء البلديات الذين وافقوا على فتح مطمر الناعمة لمدة 7 أيام كما تقضي خطة شهيب، ولكن الموافقين في مكان بينما الحراك الشعبي في مكان آخر، حيث ضرب اعتصام على مدخل المطمر رفضاً لاعادة فتحه وكان البارز انتقال الوزير شربل نحاس والنقابي حنا غريب مع مجموعة من الحراك الشعبي الى الناعمة ليل الاول من امس للتضامن مع رافضي اعادة فتح المطمر ولو لساعة واحدة. كما ان بعض الجرافات التي تعمل لتأهيل مطمر سرار في عكار تعرضت للحرق ليل الاول من امس، ما يشير الى ان خطة شهيب قد لا تبصر النور على ارض الواقع، ما يعني ان جنبلاط بامكانه افتعال ازمة ولكنه عاجز عن حلها، ليراكم الى خسارته في السياسة خسارة أخرى على مستوى قواعده الشعبية.