يبدو ان الساحة الدرزية تتجه بخطى سريعة لتتوازى مع الساحة المارونية من حيث الانقسام وفق اوساط عليمة بالواقع الدرزي، فالمؤتمر الصحافي الذي اطل فيه المير طلال ارسلان نسف فيه كل طروحات رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط حيال الموقف من سوريا ما يطرح السؤال: هل تحصل قطيعة بين الارسلانية والجنبلاطية على الحلبة الدرزية وتطيح بمقولة امن الجبل الدرزي فوق كل اعتبار؟
تجيب الاوساط نفسها ان القطيعة بين القطبين الدرزيين واقعة لا محالة وانها تندرج بين مرحلة واخرى دون ان يمس بامن الجبل الدرزي، فالمير طلال يرى ان المرحلة الراهنة هي معركة مفصلية في تاريخ الدروز، وان الوقوف على الحياد يعتبر خطيئة تاريخية ستنعكس على الوجود الدرزي في المنطقة ومن يراقب ما حصل في جبل السماق حيث فرض الاسلام التكفيري على البلدات الدرزية يؤكد ذلك، اضافة الى ان الزيارة التي قام بها مشايخ عقل سوريا يوسف جربوع وحمود الحناوي وسليمان كبول «ابو نبيه» كان هدفها وضع الفاعليات الدرزية التي التقوها من روحيين وسياسيين في الصورة المأساوية التي فرضها التكفيريون على جزء من دروز سوريا.
وتقول الاوساط ان المير طلال طفح كيله من طروحات جنبلاط التي وجد فيها «جبهة النصرة» تنظيما غير ارهابي معتبرا ان «داعش» ظاهرة تملأ الفراغ. فآثر ارسلان الكلام بعدما بات الصمت حراما لا سيما وان التراكمات بينه وبين جنبلاط بلغت اسقفا عالية انطلاقا من الخلاف حول مشيخة العقل حيث عين المير طلال الشيخ ناصر الدين الغريب شيخ عقل عن اليزبكية وفق العرف التاريخي في حين دفع جنبلاط المجلس المذهبي الدرزي لانتخاب الشيخ نعيم حسن، وبدأت كرة الثلج تكبر بين الطرفين اثر الاقتتال الذي اجتاح سوريا من ادناها الى اقصاها، حيث يقف الدروز الى جانب القيادة السورية ويدافعون عن سوريا الوطن وليس عن طائفة الموحدين الدروز، بعكس الكلام الذي صدر عن جنبلاط وحلل فيه دماء الدروز الذين يوالون النظام مطالبا بالتحاقهم بالثورة السورية.
وتشير الاوساط ان قمة الخلاف بين ارسلان وجنبلاط برزت بوضوح اثر معركة عرنة الاخيرة ففي الوقت الذي سعى الاعلام الجنبلاطي الى تصوير الامر على انه خديعة من قبل الجيش السوري للمقاتلين الدروز الذين اسقطوا بالعشرات، فاجأ ارسلان الجميع بالخروج عن صمته ووضعه الامور في نصابها الصحيح وان الكمين الذي اعد للدروز جاء بعدما وفرت اسرآئيل عملية رصد كاملة لتحركهم غير طائرة استطلاع بدون طيار وزودت «جبهة النصرة» بها. والدليل على ذلك ان اسرآئيل استقبلت في مستشفياتها جرحى «النصرة» ما اشعل غضب الدروز في اسرائيل والجولان المحتل الذين اعتصموا احتجاجا امام مستشفى صفد رافضين ذلك.
وتضيف الاوساط ان المير طلال يجهد لسلخ الدروز في الجولان المحتل عن اسرائيل بينما جنبلاط يسعى لسلخهم عن سوريا على قاعدة الحياد والنأي بالنفس عن المجريات، ولعل اللافت ان السقف السياسي لدروز سوريا بات ارسلان وهذا قرار متخذ على صعيد القيادة السورية في الوقت الذي يسجل فيه المراقبون انه لاول مرة في تاريخ الارسلانية تتجه قواعدها نحو العسكرة والتسلح والتدريب. لا للاعتداء على الغير بل للدفاع عن النفس امام وحش التكفير وتحت شعار رفعه ارسلان «من اعتدى ليس منا ومن لم يرد الاعتداء ليس منا»، وربما هذا التوجه لدى الارسلانيين منعا لتكرار المجريات التي حصلت في الحروب العبثية اللبنانية، ودفعت بهم للانضواء تحت العباءة الجنبلاطية للحفاظ على الكرامة، فمقعد عاليه لم يصنع زعامة المير طلال كما اعلن في مؤتمر الشباب الديموقراطي بل ان زعامته تاريخية، وعلاقته مع دمشق ثابتة منذ قيامها ولم تكن زئبقية يوما كما هي علاقة جنبلاط بها والتي باتت من التاريخ الذي لن يعود، اما العلاقة بين القامتين الدرزيتين فلن تعود وفق معايير انعدام المعلن والخصام المبطن، بل على مفترق يسير في وجهتين متعاكستين.