منذ فترة طويلة يُشغِل وليد جنبلاط السياسيين ومتابعيه على «تويتر»، الأقل عددا من متابعي سعد الحريري وميشال سليمان، بتغريداته الساخرة في أغلب الاحيان والفجّة أحيانا أخرى. في آذار الماضي، غرّد قائلا إن هذا الشهر الذي هو شهر إله الحرب عند الرومان «هو شهر كمال جنبلاط ورفيق الحريري والشعب السوري». لكن من دون أن ينذرنا مسبقا قرّر اعتبار شهر نيسان هو شهر نهاد المشنوق!
بالتأكيد لم تنفجر فجأة بين الرجلين. تعدّدت الروايات حول اختيار جنبلاط هذا التوقيت بالذات لـ «يبجّها» بوجه وزير الداخلية الحريص الدائم مؤخّرا على تحييد «البيك» حين تحضر لغة الغزل تجاه الرئيس نبيه بري وسعد الحريري ورموز أمنية. الرأي الاكثر تداولا ان وليد جنبلاط «مرعوب» من الانتخابات البلدية!
المقرّبون من «وليد بيك» يجزمون أن «القصة تكمن فقط في الغبن اللاحق بالشرطة القضائية وبما يحصل من «تمريرات» في مسألة التحقيقات المفتوحة في قوى الامن. وإذا كنا نحن نتساءل عن أوجه صرف النفقات السرّية، فإن وزيرا داخل الحكومة جزم في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء بإن هذه المخصّصات تسرق!».
قبل أشهر نشرت زوجة المشنوق صورا على صفحتها لحفل عشاء أقامه جنبلاط في منزله على شرف وزير الداخلية. لا يمكن الافتراض إذاً أن العلاقة كانت سيئة بين الرجلين في المرحلة الماضية. كل ما يطلبه جنبلاط ووائل ابو فاعور و «الشلّة» المحسوبة على المختارة من «معاليه» كان يُنفّذ من دون تردّد. أما في السياسة، فجنبلاط هو الركن الثالث في حلف عين التينة – بيت الوسط – المختارة للرئاسة وما بعدها وما قبلها. الأمر كاف للقول ان لا مؤامرة تلوح في الافق.
تتردّد معلومات عن أن جنبلاط فاتح فعلا الوزير المشنوق بموضوع تأجيل الانتخابات الاختيارية في المناطق كتمهيد لتأجيل الانتخابات البلدية مقترحا إيجاد فتوى يوافق عليها في مجلس النواب، هو المدرك أن هواجسه من هذا الاستحقاق لا تقلّ وطأة عن تلك التي تسيطر على حسابات «تيار المستقبل».
ردّ المشنوق المعلن والمعروف «الوزارة جاهزة لاجرائها، ومن يريد التأجيل فليتحمّل المسؤولية وليعلنها صراحة». حجّة هذا الفريق بالقول إن «البلديات» فتحت جبهة كليمنصو بوجه الصنائع تبقى ضعيفة لناحية أن ليس المشنوق هو من يملك وحده مفتاح التأجيل. ثم إن البعد الشامل للقصف الجنبلاطي على الداخلية يفترض ربطه بشكل وثيق بالحرب المفتوحة ضد «عبد المنعم تلفون» وصولا الى اليرزة.
يستغرب ضباط كبار في مديرية قوى الامن إثارة جنبلاط لقضية لا أساس لها من الصحة. قائد الشرطة القضائية العميد ناجي المصري هو من ضمن أربعة ضباط (العميد غابي خوري رئيس وحدة الخدمات الاجتماعية والعميد احمد الحجار قائد معهد قوى الامن الداخلي والعميد اسعد الطفيلي رئيس وحدة الادارة المركزية) يشغلون مواقعهم بالاصالة، فيما البقية بالوكالة وعددهم سبعة بينهم قائد شرطة بيروت التي يرأسها حاليا العميد محمد الايوبي بالوكالة. يقول هؤلاء «ان تعيينات مجلس القيادة مجمّدة حاليا لاسباب سياسية حيث يتطلّب مرسوم التعيين تواقيع رئيسي الجمهورية والحكومة ووزيري الداخلية والمال، فمن أين ستأتي القدرات الخارقة لوزير الداخلية كي يفرض تعيين بديل عن ضابط أصيل لا يزال أمامه نحو عام ونصف ليترك السلك».
عملياً، فتح كلام جنبلاط الباب على مسألة حسّاسة لا تجد دائما من ينشر غسيلها إلا في الغرف المغلقة. هي العلاقة الملتبسة بين «الشرطة القضائية» و «شعبة المعلومات». الاخيرة غالبا ما كانت تدبّ الصوت على التقصير المفضوح في عمل «القضائية» ما فرض عليها أحيانا كثيرة ان تسدّ «الفراغات» في ميدان ملاحقة الجريمة.. من خطف الاستونيين وجرّ.
أخذ دوما على العميد المصري «انجذابه» نحو الدخول على خط القضايا المالية وإهمال تلك التي لها طابع أمني، ما سمح لـ «المعلومات» بأن تحتكر هذا الميدان، من دون نسيان القرار السياسي بذلك. أما في ميدان الجريمة، فليس الوضع أفضل حالا، وآخر الامثلة على ذلك جريمة عرمون. ومع ذلك، لم يأت من يعاير وليد جنبلاط «بالسياسة» بأن «وديعته» في مجلس القيادة في قوى الامن لم تكن على قدر المسؤولية.
أما ايحاء جنبلاط بأن ثمّة من سحب البساط من تحت «الشرطة القضائية» في ملفّ الدعارة، فالملف المفتوح في المفتشية العامة بشأن تحديد المسؤوليات حول التقصير في مواكبة هذا الملف منذ بداياته يكشف أحد أوجه القطب التي دفعت «حزب الله» الى تجيير الملف الى عهدة الاستقصاء عبر الضابط م. ب. وليس مكتب حماية الآداب التابع للشرطة القضائية والذي هو موضع شبهة اليوم بسبب أدائه حيال هذه القضية.
أكثر من ذلك، حظي ناجي المصري مؤخّرا، وعلى الرغم من علامات الاستفهام حول قدرات هذا الجهاز على القيام بالمطلوب منه، على ما توافر لباقي الاجهزة الامنية.
في تشرين الاول من العام 2015 ارسل العميد المصري الى النيابة العامة التمييزية والمدير العام لقوى الامن الداخلي ورئيس قسم مكافحة الارهاب برقية يعلمهم فيها عن إنشاء مجموعة خاصة في وحدة الشرطة القضائية تضمّ مفرزتين الاولى مفرزة البحث والتدخل BRI والثانية مفرزة الاسلحة والتكتيكات الخاصة SWAT واتبعت لقسم مكافحة الارهاب والجرائم الهامة «مهمّتها تنفيذ عمليات مراقبة ومداهمة وتوقيف الاشخاص الخطرين ومؤازرة قطعات وحدة الشرطة القضائية..». ووفق البرقية أخضعت عناصر هذه المجموعة لتدريبات مكثفة ومتواصلة داخل البلاد وخارجها وتمّ تجهيزها بالعتاد اللازم. وأشارت إلى أن المجموعة بعد تجهيزها بتقنيات متطوّرة سمعية وبصرية تساهم في عملية رصد وتعقب الاشخاص الخطرين، ستضطر الى إجراء المداهمات واقتحام الاماكن بهدف توقيف المجرمين.
يستدل المتابعون للملف على هذا الامر للقول بأن «القضائية» توسّعت مهامها ولم تحجّم كما أوحى بذلك جنبلاط، فيما بقي ملف الدعارة خارج نطاقها نظرا للتقصير الهائل في مواكبة فضيحة «شي موريس» تحديدا وعدم اتخاذ أي إجراءات من شأنها أن تمنع الامور مما وصلت اليه على الرغم من توقيف مكتب حماية الاداب لموريس جعجع قبل نحو خمسة أشهر.
أما بالنسبة للعدد الذي حصلت عليه الشرطة القضائية (قال جنبلاط أنه 20) من ضمن عدد المتخرّجين في الدورة الاخيرة (900)، تقول أوساط في قوى الامن ان معطيات جنبلاط ليست دقيقة إذ أنه تمّ تخريج 500 دركي مؤخّرا (البعض منهم عاد وترك السلك) تمّ توزيعهم على كامل قطعات قوى الامن بحسب الحاجة، أما الـ 400 الباقون فهم برتبة رقيب ولا يزالون يخضعون لدورة تدريبية لم تنته بعد.
بمطلق الاحوال، يرى كثيرون ان الردّ على وليد جنبلاط لا يكون بعرض هذا النوع من الوقائع. يجدر فهم ما يريد وعلى من يصوّب أساسا كي يتمّ التعامل مع «صواريخ» المختارة.
لا يمكن ضمن هذه «الفوعة» تجاهل دور وئام وهاب. الوزير السابق الذي خسر العام 2011 أمام جنبلاط معركة تعيين ابن عمه العميد منير شعبان أعلى ضابط درزي آنذاك قائدا للشرطة القضائية خلافا للعميد صلاح عيد، يستعد للأخذ بالثأر في رئاسة الاركان.
لن يكفيه أن «يحط على عين» جنبلاط بأن شعبان، الذي وضع بالتصرّف يوم عيّن ناجي المصري قائدا للشرطة القضائية، هو اليوم بشهادة الجميع من أهم الضبّاط الذين توّلوا ملف السجون من موقعه كمستشار لوزير الداخلية، فهو يستعد علنا لمطاحشة «البيك» على موقع رئاسة الاركان الدرزي الذي يشغر بداية آب المقبل، مؤكّدا في مجالسه الخاصة أنه «لن نسمح لوليد جنبلاط بأن يختار من يريد ويفرضه علينا.. لا تعيين إلا بالتوافق».