القانون الانتخابي العادل هو ذلك الذي لا يدفع بالمشرِّع الى الإمساك بالآلة الحاسبة ليحتسب سلفا أرقام الربح والخسارة، على أساس سياسي أو حزبي أو طائفي أو مذهبي. وطبق اليوم على المائدة السياسية هو قانون الانتخاب الذي كان بمثابة طبخة بحص خلال السنوات القليلة الماضية، وحان الوقت الآن الى تحويله الى طبخة قابلة للتقديم والأكل. واذا كانت حالة الشغور والفراغ والتسيّب والانحلال قد ساعدت على العبث طويلا، فان الزمن قد تغيّر اليوم، وتتغيّر الأحوال معه، لا سيما وان من يجلس على كرسي رئاسة الشعب العنيد، رئيس عنيد أيضا، أقسم على الاصلاح وليس من عاداته سوى الالتزام بقسمه…
***
أمام المشرّع اليوم خلطة واسعة جدا من مشاريع واقتراحات القوانين التي لا تصلح في حال جمعها لتكون طبخة مطابقة للمواصفات. وقد يكون الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط – جريا على عادته – هو الأكثر صراحة في خطابه السياسي المباشر برفض النظام النسبي بالمطلق. وهو قد يعبّر في ذلك عن مكنونات ما في الصدور لدى غيره من المكونات والقيادات السياسية الأخرى. غير أنه وضع لمعارضته هذه سقفا عاليا جدا، هو اعتبار ان القصد من النسبية هو إلغاء مكوّن فاعل من مكونات الشعب اللبناني، وبالتالي تحجيم زعامة تاريخية لهذا المكوّن ممثلة في الزعامة الجنبلاطية… غير ان الواقع هو غير ذلك.
***
ليس في بال أحد ان يلغي زعامة جنبلاط وما يمثّل إلاّ في ذهن جنبلاط نفسه. والانتخابات بالأكثري كانت تقدّم لجنبلاط ولغيره من الزعامات النافذة أطباقا من الحلوى تضاف اليها طبقة من الكريما وفوقها حبّة كرز! في النظام النسبي ستوزع أطباق الحلوى نفسها ولكن دون اضافات، والاستعاضة عن الاضافات بأطباق حلوى اضافية تقدّم الى الوافدين الجدد! وكان جنبلاط سعيدا – بموجب النظام السائد – بأن يكون دوره في اللعبة الديموقراطية بيضة القبّان. والزعيم جنبلاط بشخصيته الفريدة والمميزة هو واجب الوجود في ظلّ أي نظام كان… ولكن أيضا، وبما عرف عن جنبلاط من واقعية سياسية، عليه أن يقنع نفسه اليوم بأن الزمن تغيّر، وكذلك الظروف والموازين، وان لكل زمان قبّانه وبيضته!
***
مع النسبية ستنشأ تعددية درزية موجودة واقعيا اليوم. واضافة الى زعامة وليد جنبلاط وطلال ارسلان سيضاف وافد جديد يمثل دينامية ناشئة في الطائفة والمجتمع هو الأستاذ وئام وهاب. ولن يكون جنبلاط قط أول بين متساوين بل الأول في سلّم المراتب في المطلق. وما يجمع بين المكونات الثلاثة هو الحرص الراسخ على وحدة الطائفة وتحصين الخصوصية الدرزية، ورفض أسلوب المنازعات على الزعامة داخلها. وما يليق بالزعيم الاشتراكي هو أن يتوّج حياته السياسية باحتضان التطور، وأن يكون هو الحاضن للتعددية ويحميها تحت جناحيه…