أن يحرِّض بعض قضاة المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز في لبنان، السفارات الغربية على التدخّل في سوريا، بتوجيه من النائب السابق وليد جنبلاط، فهذا لا يضرّ بالعلاقات الطبيعية والأخويّة بين لبنان وسوريا. أن يصمت المجلس المذهبي طوال السنوات الماضية عن الجماعات الإرهابية التي دمّرت سوريا وهدّدت أبناء طائفة الموحدين الدروز في السويداء وغيرها، وذبحت أهالي قرى جبل السّماق في إدلب، فهذا أمر يقوي العلاقات اللبنانية – السورية، ويعزّز رابط الأخوّة! أن يعمل مشايخ، تحت عباءة الدين، لمصلحة أجندات غرفة «الموك» وينقلوا المال إلى حفنة من الانقلابيين في الجنوب السوري، وتوجيههم لتخريب محافظة السويداء الآمنة، فهذا لا يهدّد السيادة اللبنانية. أن يتحوّل المجلس المذهبي إلى ذراعٍ دينية يبطش بها جنبلاط بخصومه داخل الطائفة، وإلى منبر لبيانات غبّ الطلب ضد الخصوم في خارج الطائفة، فهذا هو العدل، وهذا هو الدين.
يوم أمس، اجتمع المجلس المذهبي الدرزي وخرج على اللبنانيين ببيان، يكاد يشبه بيانات الحزب التقدمي الاشتراكي، مدّعياً حصول «خرق لسيادة لبنان وتدخل فاضح في شؤونه الداخلية لجهة الإجراءات غير اللائقة المفروضة على رجال الدين في طائفة الموحدين الدروز في لبنان لدى دخولهم إلى سوريا». وادعى البيان أن تلك الإجراءات «تخالف المواثيق والقوانين والأعراف الدبلوماسية والدولية وتضرب العلاقات الطبيعية والأخوية بين لبنان وسوريا».
لم يعد مستغرباً أن يجيّر جنبلاط كلّ أدواته، في محاولة يائسة لعرقلة تفعيل العلاقات اللبنانية – السورية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فالإجراءات التي تحدّث عنها بيان المجلس المذهبي، قرار اتخذته السلطات السورية، بالتنسيق مع شيخ العقل ناصر الدين الغريب، لتسهيل دخول المشايخ إلى سوريا، عبر منحهم بطاقة تعريف. فالأمن العام اللبناني منذ سنوات، بناءً على تفاهم مع السلطات السورية ومشايخ عقل السويداء، عمد إلى منح المشايخ الذين يحملون بطاقة تعريف من مشايخ عقل السويداء، مهلة دخول إلى لبنان لمدة أسبوع، من دون حجز فندقي وباقي الشروط التي يضعها على دخول المواطنين السوريين منذ بدء الحرب على سوريا. في المقابل، وبسبب استخدام عدد من الأشخاص من غير المشايخ لزي الموحدين الدروز والدخول إلى سوريا تحت هذا الغطاء، عمدت السلطات السورية إلى إجراء مماثل مع المشايخ اللبنانيين، بالتنسيق مع الغريب. ومن الطبيعي ألّا ينسّق السوريون مع شيخ العقل نعيم حسن، وهو اصطفّ إلى جانب جنبلاط منذ بداية الحرب السورية، وورّط معه المجلس المذهبي بأكمله في موقف سياسي، فضلاً عن أنّ المجلس قد تحوّل إلى منصّة سياسية للهجوم على سوريا.
وفي المعلومات، أن هذا القرار دخل حيّز التنفيذ بداية الشهر الحالي، وقد أُعلن تأليف لجان في المناطق، من حاصبيا إلى المتن الأعلى، تتولى تسلّم طلبات المشايخ الذين يريدون زيارة سوريا والاستحصال لهم على البطاقات المذكورة، في إجراء إداري بحت.
على مدى السنوات الماضية، بسبب التحريض على الدولة السورية، انقطع عدد كبير من مشايخ الدروز عن زيارة سوريا، في مناخ خلقه جنبلاط ورجاله في المؤسسة الدينية، وعلى رأسهم رئيس مؤسسة العرفان الشيخ علي زين الدين. وبالتالي، إن مشكلة جنبلاط مع هذا الإجراء، أنّه يكرّس الشيخ الغريب، مرجعية شبه مؤسساتية، والأهم جسر عبور للمشايخ الدروز نحو سوريا، بالتوازي مع توزير صالح الغريب وزيراً لشؤون النازحين، من حصة الحزب الديموقراطي اللبناني، بينما يريد جنبلاط إغلاق الباب على أي انفتاح.
اليوم، في داخل طائفة الموحدين الدروز، وفي الجسم الديني – الروحاني تحديداً، بات الصوت مرتفعاً ضد سياسات المختارة التي لم يدفع سوى الدروز ثمنها، بسبب رهانات رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الخاطئة. وتشعر المؤسسة الدينية العميقة أكثر من أي وقت مضى بحاجتها للعودة إلى الحضن السوري، بما يعنيه الأمر من عمق معنوي وتاريخي. وإن كان أحد يريد لوم السلطات السورية على هذا الإجراء، فهو حتماً ليس جنبلاط، ومجلسه المذهبي، بعد أن حاول مراراً في الماضي استخدام بعض المشايخ، ولا سيّما زين الدين، في محاولات تخريب السويداء وتأليب أهلها على دولتهم، في مشروع سقط إلى غير رجعة.
تضارب بين قاضيين
في الأيام الماضية، جرى الحديث داخل المجلس المذهبي عن نيّة المفتش العام الشيخ فيصل نصر الدين إجراء تشكيلات قضائية، بعد شكاوى تلقّاها جنبلاط بحق عدد من القضاة في المناطق، وتحديداً قاضي المذهب في بيروت نصّوح حيدر. وزار نصر الدين النائب طلال أرسلان، ووضعه في أجواء قرارات التشكيل، ولم يمانع أرسلان. إلّا أن الأمور تدهورت أمس، بعد أن تلاسن حيدر مع نصر الدين على درج محكمة الاستئناف في الروشة، على خلفية قرارات اتخذها حيدر تخصّ أزمة وقف بلدة المتين، فتطوّر التلاسن إلى قيام نصر الدين بصفع حيدر. الإشكال أثار استهجان القضاة ورجال الدين، وأحدث صدمة في الأوساط الدينية. وبحسب المعلومات، فإن مجموعة من القضاة يُعِدّون مبادرة في الأيام المقبلة لحلّ الإشكال وإجراء مصالحة بين القاضيين.