ينتظر العالم ومعه أوروبا نتائج الإنتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة لمعرفة إتجاه البوصلة العالمية، خصوصاً إذا اتّجهت فرنسا من اليسار الى اليمين المتطرّف، ما يُعتبر تغيّراً إستراتيجياً سينعكس حكماً على «القارة العجوز» والمنطقة ولبنان.
كأنّ القدر يُلاحق رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط أينما حلّ. لا يكاد الزعيم الدرزي الذي يشكّل في حدّ ذاته مدرسة في السياسة نظراً لتقلباته المستمرّة وحنكته وقراءته للتطورات الإقليمية والدولية يُفكّك عقدة أو يخرج من شباك نصبها أصحاب الأكثريات العددية والسياسية، حتى يرى نفسه مطوَّقاً مجدداً بلعبة الأعداد والديموغرافيا التي لا ترحم أحداً.
تجري الرياح الداخلية حالياً عكس ما تشتهي السفنُ الجنبلاطية، وحتى في فرنسا سقط اليسار السياسي الذي حقّق فوزاً مدوّياً قبل 5 سنوات، ومن المتوقع أن تفقد الاشتراكية العالمية أهمّ مركز سلطة عالمي وصلت إليه بعد إنهيار الاتحاد السوفياتي.
كلّ تلك العوامل تدفع جنبلاط إلى أن يقرأ مجدداً في كتاب التحوّلات العالمية، وهو الذي يسأل عند زيارته باريس أو أيّ عاصمة: ما هي الكتب التي صدرت منذ زيارتي الأخيرة ولم اطّلع عليها؟ في ظاهرة نادرة قلّما يفعلها بقية السياسيين اللبنانيّين.
الرئيس الفرنسي اليساري فرنسوا هولاند سيكون قريباً خارج أسوار الإليزيه، في حين يعيش اليسار أسوءَ أيامه في فرنسا. بريطانيا أصبحت خارج نادي الاتحاد الأوروبي، دونالد ترامب في البيت الابيض وباشر في تنفيذ خطاباته الانتخابية المتطرّفة كما توصف.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما زال يلعب في الشرق الأوسط وحيداً. لكنّ كلّ هذه المعطيات لا تضاهي تصريحاً واحداً من تصريحات مرشّحة اليمين المتطرّف مارين لوبن في لبنان والتي أيَّدت بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة نظراً لخطر «داعش»، ما استنفر جنبلاط المنادي بإسقاط نظام الأسد.
لم يتأخر موعدُ لقاء جنبلاط مع رئيس فرنسا، وقد ظنّ البعض أنّ لقاء الثلثاء الباريسي جاء رداً على تصريحات لوبن، لكنّ المعلومات تؤكّد أنّ الموعد كان مقرَّراً سابقاً ولا علاقة له بزيارة لوبن ومواقفها من بيروت، وقد عقد اللقاء في هذا الوقت لأنّ ولاية هولاند شارفت على النهاية، ومن الطبيعي أن يزوره جنبلاط لأنّ صداقة قوية تربطهما وقد تعزّزت بعد وصول هولاند الى الإليزيه، إضافة الى العلاقات التاريخية بين لبنان وفرنسا والتي لا يستطيع أحدٌ تخطيها، وجنبلاط حريص على حماية كلّ ما بُنيّ مع باريس التي تقف مع لبنان دائماً.
من جهة ثانية، يجمع الانتماء الى الاشتراكية العالمية بين جنبلاط وهولاند، وهذا ما ساهم في تمتين الصداقة بين الرجلين، في حين تطرّق اللقاء بينهما الى مجمل المسائل السياسية الداخلية والخارجية خصوصاً بعد التطوّرات الحاصلة في لبنان وسوريا والمنطقة، ولم يقتصر فقط على القضايا الشخصية أو انتهاء ولاية هولاند وما ينتظر فرنسا بعد هذه الحقبة.
وينفي قريبون من جنبلاط أن يكون طلب مساعدة هولاند في قانون الانتخاب عبر إقناع أصدقاء فرنسا في لبنان، وهم كثر، بالتخلّي عن النسبية، أو في مسألة التوازنات اللبنانية ودور الدروز في التركيبة الجديدة، لأنّ ولاية هولاند قاربت أن تنتهي وفرنسا لا تتدخّل في التفاصيل اللبنانية، كما أنّ مواقف جنبلاط التي أعلنها في باريس خلال المقابلة التلفزيونية كان سبق أن قالها في بيروت، وتحديداً خلال زيارته الرئيس نبيه برّي، فموقفه من رفض النسبية في ظلّ النظام الطائفي ليس بجديد، وكذلك بالنسبة الى الأحجام والأوزان في لبنان ومستقبل الدروز.
قدّم جنبلاط الى برّي اقتراحه الانتخابي في محاولة أخيرة للخروج من المأزق، وهو وإن قال في فرنسا إنه لا يمانع اعتماد «المختلط» وردّد هذا الكلام سابقاً في لبنان، لكنّ هذا الملف يبقى تفصيلاً في لعبة كبيرة تبدأ في عواصم القرار الدولية والعربية، وتتردَّد في دمشق وتؤثر في لبنان.
لذلك يُنتظر ما سيخرج به جنبلاط من مواقف لقراءة ما سيشهده لبنان من تغيّرات، وإن كانت في اتجاه استمرار التسوية أو الإنفجار الكبير.