كان يحلو للدروز في لبنان تسمية دارة المختارة بـ«عامود السماء» كونها صاحبة الكلمة الفصل والقرار في الازمات المصيرية التي مرت على الموحدين عبر مسيرتهم التاريخية الحافلة بالثورات، من الثورة ضد ابراهيم باشا وصولاً الى الحرب الاهلية في لبنان، الا ان الدارة التاريخية في المرحلة الراهنة تعيش اخطر ازماتها بعدما فقد موقفها سحر «رنين التحاس» المعروف لدى الموحدين الدروز، حيث الخلافات الدرزية بلغت سقفاً عالياً من الاقتتال في سوريا، فرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي يحاول ارساء مقولة «الحياد» ومهادنة «جبهة النصرة»، مع وقوفه الحاد ضد النظام السوري والدعوة الى اسقاطه، يقابله موقفان رافضان موقف المير طلال ارسلان الداعم للقيادة السورية والداعي الى الدفاع عن النفس تحت شعاره المعروف «من اعتدى ليس منا، ومن لم يرد الاعتداء ليس منا ايضا» اضافة الى موقف الوزير السابق وئام وهاب الداعي لقتال «النصرة» وكل التكفيريين والمطالب بتسليح دروز سوريا بالاسلحة الثقيلة، وزار حضر لرفع معنويات المقاتلين الدروز فيها وفق الاوساط الدرزية المواكبة للمجريات.
وحيال هذا الانقسام الدرزي حول المجريات في سوريا تتفاقم ازمة جنبلاط داخل الطائفة لعدم مجاراة رجال الدين بمعظمهم لمواقفه من المستجدات اثر الجولة التي قام بها لتأمين الغطاء الديني لسياسته في المرحلة الراهنة حيث يختلف مع معظم المشايخ حول مسألة كيفية حماية الدروز، حيث يرى جنبلاط ان «الحياد» هو الموقف الوحيد الذي يعتبر خشبة خلاص للدروز في المنطقة خصوصا في سوريا بعدما باتوا في قلب المعركة، الا انه سمع في جولاته رداً شبه موحد «دروز سوريا ادرى بشعابها»، فمجزرة قلب لوزة في جبل السماق اكدت بشكل قاطع ولا يقبل الجدل ان «النصرة» لا ترعى عهداً ولا تعطي وعداً، وتكفّر كـ«داعش» كل مَن ليس معها.
وتقول الاوساط نفسها ان تحليل جنبلاط لدم الدروز الذين يقاتلون الى جانب الجيش السوري شجع بطريقة او بأخرى اعتداء «النصرة» على الدروز، فابان معركة حضر اتصل بعض المشايخ المحسوبين عليه ببعض فاعليات البلدة طالبين منهم تسليم سلاحهم والتلال التي يتحصنون فيها لضمان سلامتهم، الا ان الرد عليهم كان قاسياً وعلى خلفية انهم معتدى عليهم وهم لا يقاتلون اهل السنة لا في سوريا ولا في غير سوريا، فمشكلتهم مع الارهاب كما هي مشكلة الجميع وفي طليعتهم السنة ضد الارهاب التكفيري.
ولعل اللافت ان الانقسام الدرزي في لبنان ينسحب ايضاً على دروز فلسطين حيث يسعى شيخ عقل الدروز موفق طريف لتحييد الطائفة عن المجريات السورية، الا ان الشيخ علي المصري ينهج نهجاً عكسياً ويحرض على اسرائيل التي أمدت «النصرة بالسلاح والمعلومات وفتحت مستشفياتها لجرحى «النصرة» ما دفع بعض الدروز الى مهاجمة سيارة اسعاف اسرائيلية وقتل احد الجرحى فشنت الاجهزة الاسرائيلية حملة اعتقالات واسعة في بلدات مجدل شمس ومسعدة وعين قنيا طاولت العشرات من الشباب الدرزي لمنع تعرضهم لسيارات الاسعاف المجهزة لنقل الجرحى التكفيريين الى الداخل الاسرائيلي.
وتشير الاوساط الى ان الدروز في سوريا والذين يشكلون 60% من دروز المنطقة كانوا ولا يزالون الرافعة الحقيقية لاي زعامة درزية ولا يخفون غضبهم على جنبلاط وعتبهم في آن، فهم امدوه بمئات المقاتلين ابان حرب الجبل اثر صعود «القوات اللبنانية» اليه وقد شاركوا بفصيل «جبل الدروز» في كل المعارك، بالاضافة الى ان مشايخهم من خلال علاقتهم بالرئيس الراحل حافظ الاسد ساهموا كثيرا في مد جنبلاط بالسلاح والذخائر، وجعلوا منه لاعبا اساسيا على الرقعة اللبنانية وواحدا من الاعمدة السياسية، فهل يكون رد الجميل في تحليل دمهم؟ وربما هذا الموقف هو ما اثار معظم المشايخ، واضعف الموقف الجنبلاطي الذي بات يفتقر الى الغطاء الديني كما كان يحصل في السابق يوم كان الشيخان ابو حسن عارف حلاوي وابو محمد جواد ولي الدين يمنحانه البركة.