Site icon IMLebanon

جنبلاط «يُنزِّل» العريضي على الأرض: هذا وقتُه!

 

في تقدير بعض 14 آذار أنّ ما جرى في الشوف أخيراً هو «ميني 7 أيار»، مَركَزُه الجبل لكنّ رسائله تستهدف الجميع. ولذلك، يتهيّب خصوم «حزب الله»، كما حلفاؤه، ما قد يأتي من تطورات. وأما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ومنعاً للوقوع ضحية الحصار، فقد فَتح كل الأقنية التي تتكفَّل «إمرار القطوع».

 

بالتأكيد، لم يقُل «حزب الله» للوزير السابق وئام وهّاب أن يذهب بعيداً في التجريح الشخصي بالرئيسين سعد ورفيق الحريري. لكنه هو الذي أعطاه الضوء الأخضر لفتح معركة مزدوجة تستهدف سعد الحريري وجنبلاط والتنسيق القائم بينهما، سواءٌ سياسياً أو في عملية تأليف الحكومة.

 

وهذه المهمّة، في البيئة الدرزية، موازيةٌ للمهمّة التي يؤديها «النواب الستة» في البيئة السنّية، والتي تستهدف الحريري وفريق رئيس الجمهورية والتنسيق القائم بينهما في عملية التأليف وما بعدها.

 

واضح أنّ «حزب الله» يريد إعادة خلط الأوراق في عملية التأليف لإرساء توازن في داخل الحكومة المقبلة يختلف عن التوازن الذي تمّ إرساؤه الشهر الفائت، عندما ظنّ الجميع أنّ ولادة الحكومة أصبحت جاهزة لمجرد أن أعلنت «القوات اللبنانية» موافقتها على التسوية.

 

فالتوازن الإقليمي الذي في ظلّه كان «الحزب» يوافق على الصيغة الحكومية السابقة قد انقلب. واليوم، يُصرّ «الحزب» على حكومة ليس لديه أدنى شكّ في قدرته المطلقة على التحكّم بها في أيّ لحظة، ومواجهة أيّ استحقاق خلال الأعوام الـ4 المقبلة.

 

لذلك، يُحرّك «الحزب» ببراعة فائقة حجارة الشطرنج السنّية والدرزية، والمسيحية ضمناً، فيما حجارته الشيعية ثابتة وعصيّة على أيٍّ كان. وتصعيد وهّاب هو الجزء الثاني المكمّل للتصعيد الذي يقوده النواب الستّة. والمستهدفون في العمليتين هم: عون والحريري وجنبلاط في آن معاً.

 

المطلوب أن يرضخ هؤلاء للتوازن السياسي الجديد:

1- أن يتخلّى فريق عون السياسي عن «الثلث المعطل». وربما يتقلّص تمثيل رئيس الجمهورية من كونه عابراً للطوائف إلى كونه تمثيلاً مسيحياً حصراً.

 

2- أن يقبل الحريري بشراكة سُنّية لفريق 8 آذار داخل الحكومة، بوزير أو أكثر.

 

3- أن يقتنع جنبلاط بشراكة دروز 8 آذار أيضاً. وهذا يعني إشراك النائب طلال إرسلان أو مَن يمثّله (هو وحليفه المستجد وهّاب هذه المرّة). وبعدما كان الوزير الدرزي الثالث «وسطياً» من حصة رئيس الجمهورية وهو يختاره، سيصبح الوزير الدرزي من اختيار 8 آذار مباشرة، ومحسوباً على هذا الخط لا على رئيس الجمهورية. وسيكون هذا الأمر حسّاساً لأنّ إرسلان ينتمي إلى تكتل «لبنان القوي». ولذلك، فقد يكون الأنسب تمثيله (ووهّاب) بشخصية ثالثة ولاؤها الأساسي لـ»الحزب».

 

هذه المناخات يجري تداولها في عدد من الأوساط. وأما في المختارة فقد أدرك جنبلاط، منذ اللحظة الأولى، وتحديداً منذ أن وجّه إليه الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله انتقاداً واضحاً لطريقة تعاطيه مع الملف الحكومي، أنّ درجة الضغط عليه سترتفع في موازاة الضغط الذي يمارَس على الحريري، وطبعاً على عون بطريقة غير مباشرة.

 

باشر جنبلاط عملياته الوقائية المعتادة في مثل هذه الظروف. وعلى المستوى الأول، بعث إلى «الحزب» برسائل تؤكد أنّ الاختلاف في التفاصيل الحكومية وفي النظرة إلى دور إيران والنظام في دمشق لا يلغي الحرص على التنسيق واستمرار الروابط الودّية مع «الحزب» وبيئته على الأرض.

 

لكنّ هذه الرسائل لم تقنع «الحزب». فصحيح أنه لا «يشغل باله» باحتمال شرود جنبلاط أو انقلابه، لأنّ هوامشه محدودة ولأنه لن ينخرط في مغامرات جرّبها منذ 2005. لكنّ الصحيح أيضاً هو أنّ «الحزب» يريد من جنبلاط أكثر من ذلك: أن ينأى بنفسه عن عون والحريري، وأن يتيح المجال ليكون لحلفائه الدروز موقعهم السياسي.

 

عندما رأى جنبلاط أنّ تظاهرة أنصار وهّاب، وبالسلاح، قد بلغت المختارة، أدرك أنّ الأمور أكثر جدّية ممّا يُتوقع. فكان أمامه إما الإذعان في قلب بيته وزعامته، وإما المواجهة بالتنسيق مع الحريري. وفي تجارب سابقة كانت تنتهي الأزمات بصون موقع دار المختارة، ولكن بعد أن تُقدَّم الأثمان السياسية المقابلة. وغالباً، اضطلع الرئيس نبيه بري بدور أساسي في تدبير المخارج.

 

اختار جنبلاط المواجهة لعلّها تكون أقل كلفة من الإذعان. لكن ما حدث لم يتوقّعه. فالرسالة التي أراد إيصالها إلى وهّاب ومَن وراءه تحوّلت مأزقاً بعد ظهور السلاح وإراقة الدم. وفي حالات مماثلة يفضّل جنبلاط أن يعضّ على الجرح، لأنّ البيئة الدرزية لا تتحمّل الانتقامات الدموية. والتجربة الأخيرة في الشويفات ما زالت ساخنة.

 

اليوم، جنبلاط في الموقع الدفاعي، لا الهجومي. وهو لذلك لا يوفّر شيئاً من عدّته الدفاعية. ولعلّ أبرزها استنفار «جندي الاحتياط» غازي العريضي ودفعه إلى المهمة الإنقاذية، بعدما كان في الظلّ منذ ما قبل الانتخابات. فالعريضي هو «الاختصاصي» لهذه الحالات.

 

ويخصِّص جنبلاط كلاً من رجاله في نطاق معيّن: مروان حمادة الـ14 آذاري، وائل أبو فاعور المنفتح على المملكة العربية السعودية، العريضي الخبير في التعاطي مع دمشق و»حزب الله»… ويبقى رجال الحزب الاشتراكي الآخرون في مهماتهم الداخلية، ومنها ضبط العلاقة مع المسيحيين بشقيها: «التيار» و»القوات».

 

هل استطاع العريضي، بنزوله إلى أرض المعركة، تنفيس الاحتقان؟

 

في الاجتماع الذي عقده وأبو فاعور مع المعاون السياسي للأمين العام لـ»الحزب» حسين الخليل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا، سمع موفدا المختارة كلاماً قاسياً إزاء مقاربة جنبلاط لما جرى في الجاهلية وإبدائه الرغبة في «استئصال» حالة وهّاب من الشوف. لكنّ الاشتراكيَّين أكدا أنّ جنبلاط لا يرمي إطلاقاً إلى استهداف وهاب سياسياً، وأنّ المشكلة هي في استخدام وهاب للسلاح في عراضاتٍ في قلب الشوف.

 

وهنا بدا «الحزب» مستاءً جداً من بيان الحزب التقدمي الاشتراكي الذي تحدّث عن «الحالة الأمنية الشاذة التي يمثّلها البعض، والتي لطالما استهدفت استباحة الجبل في أمنه وسلمه، ومنطق الخروج عن القانون والعبث بالأمن الذي حظي برعايةٍ وتغطيةٍ ما». والعبارة الأخيرة فيها كثير من الرسائل التي يعتبر «الحزب» نفسَه مقصوداً بها.

 

اعترف «الحزب» بأنّ وهّاب تجاوز في هجومه على الحريري حدود السياسة إلى الجانب الشخصي وكرامة الحريري الأب. لكنه اعتبر أنّ التذرّع بذلك لضرب وهّاب وإنهائه سياسياً أمرٌ لا يسكت عنه «الحزب» إطلاقاً. وذكّر بأنّ كثيرين أخطأوا وارتكبوا الإهانات بحقّ الرموز ورجال الدولة، على مدى الأشهر الأخيرة، ولم يقم أحد بملاحقتهم واستهدافهم كما يجري اليوم لوهّاب.

 

ويلوم «الحزب» جنبلاط لأنه اختار الانحياز إلى رغبة الحريري في التصعيد، من دون التنبّه إلى مخاطر اللعب باستقرار الجبل والعلاقات داخل الصف الدرزي. وهنا ردّ الاشتراكي أنّ مَن فتح الباب لهزّ استقرار الجبل هو مَن غامر بالعراضات المسلحة بين القرى الشوفية. وذكّر «الحزب» محاورَيه الإشتراكييَّن بأنه هو الذي منع وقوع الفتنة بين أبناء الطائفة الواحدة في الجبل، عندما دعا حلفاءَه إلى التزام ضبط النفس، على رغم من إراقة الدماء.

 

في هذه الأجواء، يبدو حيوياً دخول العريضي على الخط. إنه وقته. واللافت هو أنّ العريضي شارك أيضاً في اجتماع جنبلاط مع وفد حركة «حماس»- حليفة «حزب الله»- بقيادة الدكتور محمود الزهّار، وفيه وجّه جنبلاط رسائل قوية تُطَمْئن إلى تمسّكه بالخط الوطني المقاوم ضد إسرائيل.

 

وسيكون «نزول» العريضي الى الأرض من علامات المرحلة الآتية. فأبعد من إطفاء الحريق المندلع مع «حزب الله» وحلفائه، يجدر بجنبلاط أن يستعدّ لمواجهة التعاطي المحتمل مع دور لدمشق في هذه المرحلة المقبلة.

 

فما يقوم به «حزب الله» اليوم لا يمكن عزله عن التأثيرات السورية المتنامية في لبنان. وعلى الأرجح، بعد تأليف الحكومة، سترتدي هذه التأثيرات طابعاً مختلفاً وأكثر وضوحاً بسبب الانفتاح المنتظر بين الحكومتين اللبنانية والسورية، والذي سيبادر عون إلى طرحه عندما تصبح الظروف أكثرَ ملاءمة.