الكلمات التي عبّر فيها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، عن موت كلبه «اوسكار» هي للدلالة على الوفاء الذي يتحلى به هذا الحيوان اكثر من بعض الناس، وليعكس عن قلة وفاء عند من تعاطى معهم زعيم المختارة وكانوا حلفاء له في السياسة.
وفي هذا الاطار فان الزعيم الدرزي الاقوى في طائفته، يشعر في هذه الايام، لا بل قبل نحو اكثر من عامين، وتحديداً بعد التسوية الرئاسية، بين رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري، ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، التي اوصلت العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، بان «الحريري غدر به»، كما يقول امام زواره، اذ يبدي اسفه، ان يتخلى عنه حليف «السراء والضراء»، والذي وقف معه بعد استشهاد والده، ويقدم التحالف مع الوزير باسيل عليه، حيث يشكو من ان وريث «الحريرية السياسية» يقدم التنازلات امام العهد الجديد، ويترك «للباسيلية» ان تتحكم بمفاصل الدولة، تحت شعار «استعادة حقوق المسيحيين».
هذا الاسى عند جنبلاط الذي يعبر عنه امام الحلقات الضيقة من اصدقائه، انما هو شعور ينتابه انه مطوق سياسياً، ويحاول من خلال قراءته الواقعية للسياسة، ان يدوّر الزوايا، وينحني امام الرياح، ويقدم ما يستطيع من تنازلات هو ايضاً، او يتراجع خطوة الى الوراء، ليعود فيتقدم الى الامام، بما يسميه «التكتيك السياسي»، وفق التوصيف الجنبلاطي، لتغيير مواقفه، او تبديل مواقعه، حيث يتطلع دائماً الى تأمين ديمومة «للزعامة الجنبلاطية» المستمرة منذ خمسة قرون.
وان جنبلاط تشغله وراثة نجله تيمور لهذها لزعامة، وان يعبرها بسهولةودون عراقيل، اذ يؤكد في مجالسه ان «انتيناته» التي اشتهر بها، على انه يملك «رادار سياسي»، تعطيه اشارات بان «المختارة مستهدفة»، وهو ما يعبر عنه دائماً، واعلن ذلك قبل الانتخابات النيابية في ايار من العام الماضي، وبعدها، حتى انه المح الى ذلك قبل اسابيع، الى تركيب حلف ضده، ظهرت معالمه في الانتخابات النيابية من خلال التحالف بين «التيار الوطني الحر» والحزب الديموقراطي اللبناني برئاسة النائب طلال ارسلان والحزب السوري القومي الاجتماعي، وهو يشكل قوة لا بأس بها، ويجمعهم تحالف استراتيجي مع «حزب الله» وعلاقة مميزة مع سوريا، ودخل طرفاً على هذا التحالف رئيس «حزب التوحيد العربي» وئام وهاب، الذي استعاد العلاقة مع ارسلان.
هذه الهواجس تسكن جنبلاط من ان هناك مخططاً لالغائه او تحجيمه اقله سياسياً، وهذا ما ظهر عند تشكيل الحكومة التي يسعى رئيسها المكلف، ان لا يعطي للحزب التقدمي الاشتراكي حصته الوازنة وفق حجمه النيابي، حيث توترت العلاقة بين الطرفين، واطلق جنبلاط تغريدات قاسية ضد الحريري الذي رد بالمثل ولم تنفع لقاءات «غسل القلوب» التي نظمها النائب والوزير السابق غطاس خوري، في ان يعيد الثقة بين الرجلين، اذ ما زال جنبلاط ينظر الى الحريري بانه لم يكن وفياً له، وهو يمارس «الانبطاح» امام باسيل الذي اقترب من صلاحيات رئيس الحكومة، وفق ما ينقل زوار جنبلاط عنه، بالرغم من تأكيده على انه من الداعمين للاستقرار في لبنان كما في الجبل، وهو شارك في قداس دير القمر الذي دعت اليه وزارة المهجرين، لاقفال كل الابواب امام تلك الايام السوداء، التي اعقبت اغتيال والده كمال جنبلاط، وكان السباق في لجم الغرائز ووقف المأساة التي حلت بحق مواطنين مسيحيين في بعض القرى، ونجح مع شيخ العقل محمد ابو شقرا في محاصرة الفتنة، كما في حماية الناجين.
فبالرغم من القلق الذي يظهره جنبلاط، من مخططات البعض ضده، والتوجهات السلبية للقيادة السورية بحقه، فانه يتصرف امام المرحلة الصعبة بكثير من الدقة والحذر، اذ يشير الى سعي الرئيس عون الى اجراء مصالحة بينه وبين ارسلان، وهو لا يعارضها، لكنه يقف امام حادثة الشويفات، وضرورة ان يسلم احد المتهمين فيها، وهو امين السوقي، وبعد ذلك لكل حادث حديث.
} فهل المختارة مطوقة سياسياً، وان «الزعامة الجنبلاطية» مستهدفة، كما يعلن جنبلاط؟ }
لا يبدو ان هذا هو الواقع، لان حصة جنبلاط محفوظة في الحكومة كما في التعيينات، وفق مصادر سياسية درزية معارضة له، انما الموضوع يتعلق بالمشاركة في القرار الدرزي الذي اختصره منذ سنوات بحزبه، وكانت مشاركة ارسلان ضعيفة قياساً على الحقائب التي كان يحصل عليها الحزب الاشتراكي وقوى اخرى، كما في التعيينات، التي هي ضئيلة جداً وربما معدومة لاطراف درزية اخرى، اضافة الى الاستئثار بالمجلس المذهبي الدرزي، الذي وان كان يأتي بالانتخاب، الى انه يمكن ايضاً ان يحصل توافق حوله، تقول المصادر التي ترى بان القلق الجنبلاطي غير مبرر، الا اذا كان يقرأ في التطورات السورية ما يقلقه، والانتصار الذي حققه محور المقاومة، وتأثيره على لبنان، وعلى الدور الذي سيلعبه الفريق الحليف للنظام السوري داخل الطائفة الدرزية، وامتداد ذلك الى دروز سوريا، كما دروز فلسطين، وحصول دور لطرف سياسي، درزي في خط المقاومة، وتراجع الطرف الذي يمثله جنبلاط الذي راهن على سقوط النظام السوري.