تتسارع التطورات الداخلية على وقع الخلافات المستجدّة داخل الحكومة نتيجة التعيينات الأمنية والسجالات ما بين فريقي 8 و 14 آذار، والتي لا يبدو أنها ستتّجه إلى الإنحسار، على الرغم من جلسة الحوار الأخيرة ما بين «حزب الله» وتيار «المستقبل». وفي الوقت الذي ربطت فيه مصادر ديبلوماسية التصعيد على الساحة الداخلية بالصدى المباشر لتقلّبات المواقف الأميركية من الحرب السورية، لم يخفِ رئيس «اللقاء الديمقراطي»النائب وليد جنبلاط تحفّظه جراء المواقف الأميركية، حيث نقل عنه مقرّبون، أنه لم يثق يوماً بالسياسة الخارجية الأميركية اليوم كما في كل السنوات الماضية. ويقول هؤلاء، أن مواقف وزير الخارجية الأميركية جون كيري والتي تبعتها سلسلة بيانات توضيحية صادرة عن إدارة الرئيس باراك أوباما، لم تكن مفاجئة بالنسبة للعالمين ببواطن الأمور ودوافع هذه الإدارة من الحديث عن احتمال التفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد. حيث أن واشنطن لا تضع أولوية اليوم امامها إلا الوصول إلى إنجاز اتفاق تاريخي مع إيران حول برنامجها النووي. وبالتالي، فإن تحرّك النائب جنبلاط باتجاه عواصم القرار في أوروبا، والتي بدأها من باريس الأسبوع الماضي، تهدف، وبحسب المقرّبين، إلى استشراف المرحلة المقبلة في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً في سوريا. وهنا تشير المعلومات من الدائرة الضيقة لرئيس الإشتراكي، إلى أنه، ومن خلال الصداقة التي تربطه بالرئيس فرانسوا هولاند، أجرى اتصالاً سريعاً مع دوائر الإيليزيه، حيث تم تحديد موعد سريع له.
وتكشف المصادر المقربة من جنبلاط نفسها، عن أنه التقى في باريس، وعلى هامش لقاءاته الفرنسية، مع قيادات في المعارضة السورية ولا سيما منهم خالد خوجة، وذلك للبحث في ما يمكن القيام به ردّاً على الإستدارة الأميركية، لا سيما وأنها أتت بعد القرار الأميركي بتسليح المعارضة السورية لفترة تمتد لثلاث سنوات، وذلك في ظل تنسيق مع تركيا والأردن لتدريب ضباط وعناصر من هذه المعارضة. وفي هذا السياق استغربت المصادر تبدّل موقف واشنطن، والذي يتعارض مع الأجواء التي نُقلت لجنبلاط من خوجة عن لسان مسؤولين أميركيين، وتؤكد استمرار الإدارة الأميركية بدعم المعارضة وتسليحها وتدريبها والتزامها بمؤتمر «جنيف 1». ولكن ما قاله كيري فُسّر، وبحسب هذه المعلومات على غير حقيقته، أي أنه يريد التنسيق مع النظام لوقف الحرب السورية، ومن ثم التوصّل إلى اتفاق سياسي وعلى قيادة جديدة لسوريا.
ومن هذا المنطلق، يبدو أن التحرّك الجنبلاطي باتجاه العاصمة الفرنسية يأتي في سياق عرض المستجدات السورية والإستحقاق الرئاسي اللبناني بحسب المصادر، في ظل شعور جنبلاط أن التوسّع الإيراني من اليمن إلى سوريا والعراق بدأ يشمل لبنان ويفرض أجندته السياسية.وتحدّثت معلومات ديبلوماسية، أن باريس أبلغت زعيم المختارة أن الرئيس هولاند لم يغيّر مواقفه من النظام السوري، وقد أبلغ ذلك إلى الوزير جون كيري خلال زيارته الأخيرة إلى فرنسا، بالإضافة إلى استمرار التواصل بين باريس وواشنطن، وذلك في إطار التأكيد على مقرّرات مؤتمر «جنيف 1».
وفي سياق متصل أكد المقرّبون من النائب جنبلاط، أن تحرّكه الخارجي لا يعني أي تبدّل في موقفه الداخلي، في ظل تأكيده على وجوب أن يأخذ اللبنانيون المبادرة في حلّ أزمة الإستحقاق الرئاسي من خلال الحوار والتفاهم، وبالتالي استمراره في موقع الوسط والإنفتاح على كل القوى وعلى التواصل مع «حزب الله»، وبالتالي إبقاء القنوات مفتوحة بين حارة حريك والمختارة، وذلك على الرغم من كل التطوّرات الإقليمية.